Min Naql Ila Ibdac Talif
من النقل إلى الإبداع (المجلد الثاني التحول): (٢) التأليف: تمثل الوافد - تمثل الوافد قبل تنظير الموروث - تمثل الوافد بعد تنظير الموروث
Genres
وتنتهي الرسائل أيضا بنفس التصور الديني للعالم كمفتاح للرسالة كلها بعد التمرينات العقلية العديدة في الطبيعيات أو الرياضيات، وهو تصور عن الواحد كنوع من الخاتمة تصب فيها الرسالة كلها، وعادة ما تكون من نوع الموضوع، والحديث عن الله بالمصطلحات الفلسفية مثل العقل والقوة والقدرة، والخاتمة الأكثر شيوعا هي: الحمد لله رب العالمين، وصلواته على محمد النبي وآله أجمعين. وأحيانا يكون الدعاء مع الخاتمة، الدعاء بالتوفيق. والسؤال لتتميم الكمالات وجميع الدالات على وحدانية الله وحكمته، والدعوة لمصابرة النفس على اقتفاء آثارها، وإنارة طريقها، وتوسيع علمها.
30
والتوجه بالدعاء للخلفاء عادة قديمة استمرت حتى الآن، ووصلت إلى حد التملق، ليس فقط عند المتكلمين، فقهاء السلطان، بل أيضا عند الحكماء المتجردين عن الدنيا.
31
فدور المفكر بالنسبة إلى السلطان هو دور المرشد والناصح، الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، وليس المداح والداعي، وإلا أصبح المفكر مثل فقيه السلطان. وتكون الدعوات بطول العمر والبقاء، والتنبيه على الأصل الرفيع والنسب الشريف، والدعوة بحسن الأخلاق، وتطهير القلب، والصون من الزلل، والعمل للآخرة أعمالا صالحة. وقد تصل كثرة الدعاء عبر السنين إلى مدح السلاطين بالرغم من
قتل الخراصون ، والحث عن الابتعاد عن المدح. ويتداخل الإنشاء مع المدح، والأدب مع العلم، والوجدان مع العقل، المبالغة جزء من المدح، وقد يصل إلى حد المبالغة، مثل:
إذا بلغ الرضيع لنا فطاما
تخر له الجبابر ساجدينا
فالسلطان هو خير الناس أجمعين، وأفضل الخلق. وتتداخل صفات الله مع صفات الرسول مع صفات السلطان في أفعل التفضيل؛ فلا فرق بين المدائح النبوية والمدائح السلطانية بعد أن يتحولا معا إلى مدائح صوفية في التراث الشعبي، وإلى مدائح سياسية لأنظمة الحكم. وهي صورة واحدة للسلطان تقابلها صورة الحاكم الظالم الغاشم القاهر، «أشر الخلق وأرذله»، وهو موجود أيضا في التراث الشعبي. ولا يتوقف المدح على الحاكم وحده، بل على السلالة الشريفة كلها، وكأن الفضائل وراثة من بقايا المدح القبلي الجاهلي.
وأحيانا يكون الدعاء أقصر، طبقا لشحنات المؤلف، ووجدانه للحفاظ، والصون من كل آفة وشر وزلة ابتغاء للآخرة. وقد يصبح الدعاء أكثر من مرة في البداية والوسط والنهاية، وتكون الصيغة هي الخطاب المباشر والدعوة بضمير المخاطب المفرد، وقد تكون الدعوات فلسفية لفهم العلم وتفهيم المسائل العويصة، وقد لا يتجاوز الدعاء ذكر «أيها المحمود»، والسؤال هو: إذا كان كل هذا الخير في الحكام، فلماذا انهارت الدول، وضاعت الشعوب، وفسدت الأخلاق، وعم الجهل، وساد القهر، وعم الظلم؟
Unknown page