Min Naql Ila Ibdac Talif
من النقل إلى الإبداع (المجلد الثاني التحول): (٢) التأليف: تمثل الوافد - تمثل الوافد قبل تنظير الموروث - تمثل الوافد بعد تنظير الموروث
Genres
ويستعمل الكندي لغة التقنين لغة معيارية، وليست تقريرية وصفية؛ «ينبغي أن ...» «يحسن بنا ...» مثل لغة الشراح، وكأن الفلسفة أمر معياري بناء على طبيعة العقل؛ لذلك كثيرا ما يبدأ الكندي بمصادرات أخلاقية عملية بديهية معيارا للحكم.
21
ومع ذلك فإن الفلسفة عند الكندي ليست نسقا جاهزا أو معرفة مسبقة، بل هي عملية تفلسف؛ فلا يوجد فلاسفة، بل متفلسفون؛ ولا توجد فلسفة، بل تفلسف؛ أي البحث عن الحق تواضعا وليس غرورا، تساؤلا وليس اعتقادا، وينقد الكندي متفلسفة العصر، ويوجه الإبداع كله نحو العصر من أجل نقده واكتشاف أوضاع الزيف فيه. وتبدأ الرسائل بمخاطبة القراء، جمعا وفردا؛ فالقضية اجتماعية، والفكر تجربة مشتركة، والمؤلف صاحب رسالة، والتأليف خطاب بين المؤلف والقارئ، الخطاب علاقة بين ذوات، وليس علاقة بين موضوعات، مع استعمال عديد من الأساليب الإنشائية، مع الدعاء لمن كتب له الرسالة.
22
وتبدو آليات الإبداع في أولى مراحل التأليف في تمثل الوافد كتأليف مصطنع مركب مفكك تنقصه الوحدة الداخلية نظرا لغياب الإبداع الخالص، ويبدو ذلك في «الفلسفة الأولى»، وفي رسالة «العقل». وترجع أهمية رسالة «الفلسفة الأولى» إلى أنها بداية التأليف؛ ومن ثم تثار عدة موضوعات: هل هي كتاب أم رسالة؟ ليس مقياس التفرقة الكم وحده، بل المضمون. الكتاب بناء ونسق، والرسالة موضوع جزئي. الكتاب لا شخصي يقترب من التجريد، والرسالة شخصية أقرب إلى المحاولة الأدبية. الكتاب له عنوان صغير ودقيق، والرسالة لها عنوان طويل. الكتاب لا يبدأ بحرف «في أن ...» والرسالة تبدأ به. ورسالة الكندي تتأرجح بين النوعين.
وهل هي رسالة أم رسالتان أم أكثر نظرا للبنية المصطنعة للكتاب؟ الحقيقة أنها عدة نصوص تبين نشأة النص الفلسفي على دفعات في بداية التأليف ثم الربط المصطنع بينها، مجموعة من الأفكار بصرف النظر عن البنية التي ظهرت فيما بعد عند ابن سينا .
23
يتكون الكتاب من خطبة وأربعة فنون، وأهمها الخطبة؛ ففيها الموضوع والمنهج والموقف الحضاري ، الصلة بين الفلسفة والدين كموضوع وكوضع مؤسسي اجتماعي، ثم يبدأ الفن الثاني دون الأول، وكأن الخطبة كانت بمثابة الفن الأول عن المناهج والقسمة، وأن الوجود وجودان، ثم يأتي الفن الثالث عن الطبيعي والمنطقي والرياضي والوحدة والكثرة. ثم يتلو الفن الرابع عن الله؛ أي الواحد، وكلها أربعة فنون من الجزء الأول من الفلسفة الأولى دون الجزء الثاني. ولا تتناسب الفنون الأربعة كما؛ الخطبة أقصرها، والفن الثاني أوسطها، والفنان الثالث والرابع أكبرهما ومتساويان.
24
ولا يظهر موضوع النفس بالرغم من الثنائية كتصور رئيسي للعالم؛ ومن ثم تغيب الخطة العامة. والحديث عن الفن، وليس عن الموضوع اللاشخصي؛ إحساسا بالتمايز بين الأنا والآخر. ومن مظاهر الربط المصطنع بين الفقرات بعبارات خارجية التذكير بما فات والتقديم لما هو آت، أو الدعاء، أو الإعلان عن القول وعدم ترك الموضوع يتحدث عن نفسه حتى يتطور الموضوع تلقائيا على نحو طبيعي،
Unknown page