Min Naql Ila Ibdac Tadwin
من النقل إلى الإبداع (المجلد الأول النقل): (١) التدوين: التاريخ – القراءة – الانتحال
Genres
وتتم الاستفادة من النموذج السابق في حل أزمة العصر، والاستفادة من علوم العصر والتجارب الحالية لفهم تجارب الماضي. لا تفهم علوم الحكمة ونشأتها في عصر الترجمة بفترتيها، الأولى في القرن الثاني والثانية في القرن الثالث عشر (التاسع عشر الميلادي) إلا بناء على تجارب معاصرة في التعامل مع النصوص الأجنبية واستئناف الحضارة مسارها في دورة ثانية. فإذا كانت الدورة الأولى قد تمت مع النص اليوناني، فإن الدورة الثانية تتم الآن منذ مائتي عام مع النص الغربي؛ فالحكيم هو الذي يقوم بالترجمة الآن من أجل احتواء النص الغربي والقضاء على الاغتراب الثقافي المعاصر. وبهذه التجربة الحضارية الجديدة يمكن فهم التجربة الحضارية القديمة عن طريق إعادة بناء الموقف الحضاري الماضي بناء على وجود موقف حضاري حالي، رؤية الحاضر في الماضي ورؤية الماضي في الحاضر. هذا هو السبيل لفهم عصر الترجمة وما تلاه من شروح وملخصات أولا، وعرض وتأليف وإبداع ثانيا. النص تجربة حية عند مؤلفه ولا يفهم إلا بتجربة حية مماثلة عند قارئه.
66
وباتحاد التجربتين يتم فهم النص الأول وإعادة كتابة النص الثاني. ودون معرفة تجارب العصر وهمومه سيظل النص القديم مغلقا، نصا ميتا. قراءة النص القديم لا تكون إلا بوعي يقظ وليس بوعي غافل.
67 (2)
تحليل مكونات النص. والنص خبرة فردية لصاحبه، وخبرة جماعية لمجتمعه وثقافته وحضارته. هو نص إبداعي من خلق الذات الواعية لموقفها الحضاري. وهو نص جماعي لأن الذات الواعية كائن حضاري يعبر عن موقف حضاري؛ فمكونات النص تكشف عن مكونات الوعي الفردي والجماعي، والوعي الفلسفي والوعي التاريخي. الحضارة موقف يتم التعبير عنه وتدوينه في نص فردي وجماعي. تحليل مكونات النص إذن هو منهج لشرح النص بإخضاع النص الفلسفي لعملية تحليل قبل التأويل لمعرفة البواعث العامة للحضارة ومقاصدها.
68
ولا فرق بين الوعي الحضاري القديم في تعامله مع النص اليوناني قديما والوعي الحضاري الحديث في تعامله مع النص الغربي حديثا. هناك إذن أربعة أطراف في هذا التحليل المزدوج للنص الماضي في الحاضر وللنص الحاضر في الماضي. الأول النص اليوناني القديم ، والثاني موقف القدماء منه، والثالث النص الغربي الحديث، والرابع موقف المحدثين منه. والأنا الواعي هو حلقة الاتصال بين الموقف القديم والموقف الحديث بأطرافه الأربعة، تقرأ الموقف الثنائي القديم، النص اليوناني موضوعا والقدماء ذاتا من خلال الموقف الثنائي الحديث، النص الغربي موضوعا والمحدثون ذاتا. تدرس الأنا الواعي الموقف كله ثم تبين موقع القدماء منه كما فصل القدماء عندما درسوا الموضوع ذاته وبينوا موقع اليونان منه خاصة ابن رشد. وقد تم استعمال هذا المنهج في المجلد الثاني «التحول».
وأهم مكونين للنص هما الموروث والوافد.
69
الموروث مما يأتي من الداخل، من الحضارة الناشئة، من العلوم النقلية، من علوم العرب. والوافد ما يأتي من الخارج، من الحضارة الغازية، من العلوم العقلية، من علوم العجم. ومن التفاعل بين الداخل والخارج ينشأ النص. في هذا التفاعل يبدو إبداع الذات، وتظهر عمليات الإبداع، «التشكل الكاذب»، من أجل حل قضية ازدواجية الثقافة، تغيير الوظائف، إكمال الناقص، عدل الميزان بين الأطراف، وضع الأجزاء المنتشرة في كل واحد، إيجاد نسق عقلي شامل، رؤية تطور المذاهب واكتمالها، إدراك دورات الحضارة وتعاقبها. الوافد من علوم الوسائل والموروث من علوم الغايات.
Unknown page