240

Min Naql Ila Ibdac Tadwin

من النقل إلى الإبداع (المجلد الأول النقل): (١) التدوين: التاريخ – القراءة – الانتحال

Genres

وقد لا يحتاج الانتحال إلى تاريخ مثل «وصية أفلاطون الحكيم»، فلا يذكر اسم أفلاطون أو أفعال القول. فالانتحال الخالص لا يحتاج إلى تعشيق.

41

ولا يهم عنصر التاريخ في الانتحال. فأفلاطون يرد على فرفوريوس في سؤاله عن حقيقة نفي الهم وإثبات الرؤيا وهما لا يعيشان في نفس العصر. أفلاطون في القرن الرابع قبل الميلاد، وفرفوريوس تلميذ أفلوطين ومعد «التاسوعات» في القرن الثالث الميلادي. إنه حوار آلهة الأولمب حول الحكمة الخالدة. يذكر أفلاطون جالينوس وأبرقلس وهما بعده. ويحال إلى «النواميس» حتى يطغى التاريخ على اللاتاريخ. وقد يذكر أرسطو وحده تأكيدا على العلاقة الحميمية بين المعلم والتلميذ. وقد تذكر الأقوال دون أسئلة إلا مرة واحدة.

ويكشف تحليل النصوص المنتحلة اختيار أعلام اليونان كمحاورين افتراضيين لأفلاطون بصرف النظر عن التعاصر الزماني. وبطبيعة الحال يتصدر أفلاطون ثم أرسطو والمدرسة الأفلاطونية كلها خاصة فيثاغورس. ويدخل كل أعلام اليونان في هذه المدرسة ثم أنبادقليس وسقراط. بل يدخل الحكماء كلهم مثل أراميس الحكيم وديوجانس. بل يدخل أيضا الآلهة وأنصاف الآلهة مثل هرمس الحكيم وأسقليبوس. ولا يغيب الشرق أيضا مثل الهند وفارس. فقد انتشرت الفلسفة اليونانية في ربوع الشرق بعد فتوحات الإسكندر. وإذا كان أفلاطون فيلسوف الإشراق فإنه يكون شرقيا بقدر ما هو غربي.

42

وحتى يكون الانتحال تاريخيا تذكر أسماء بعض مؤلفات أفلاطون مثل «طسماوس»، «النواميس». فإذا تعذر التاريخ تم الاكتفاء بالإشارة إلى «بعض الحكماء».

أما «وصية أفلاطون في تأديب الأحداث» ترجمة إسحاق بن حنين. فقد يكون انتحالا يونانيا قبل أن يعاد انتحاله إسلاميا.

43

في الانتحال اليوناني تحليل طبقي للتربية للطبقة الوسطى، لا العليا ولا الدنيا. فالقيم من صنعها، قيم القانون والنظام. أما الغنى والفقر، الطبقة العليا والطبقة الدنيا، فإنهما يتجاوزان القيم إلى الثروة أو البقاء. وفي مقدمتها العلم من أجل المهنة، والعدل من أجل الحكم، وإتقان العمل من أجل الإنتاج. وفي الانتحال الإسلامي الحلف على ذلك بالله والقسم عليه ثم زيادة فضيلة الحكمة، وهي التشبه بالله عز وجل، فهو المعلم للحكمة والمرشد إلى الأفعال الجميلة الفاضلة الموفق لها. ويزاد عليها تطهير النفس من انفعالاتها مثل الحسد الذي يفرق بين الناس ويباعد القلوب، والاستسلام لله وللعقلاء الكاملين الذين يستحقون الرئاسة بأفعالهم. والطاعة للحق تستوجب الأنفة مثل أنفة الآلهة. ودراسة الموت الاختياري تؤدي إلى التفكر في الروحانيات، فالفلسفة هي تعلم الموت. ويساعد على ذلك الإكثار من ذكر الله عز وجل وإحسانه إلى الناس فرادى ومجتمعين. فإذا تحققت هذه الفضائل أشرقت الحكمة على الخلائق. وتم شكر الله المدبر للكل، الأزلي القديم، القائم بالحق والقسط. فهي وصية يونانية إسلامية، تعتمد على العقل والخير، فلا فرق بين الوحي والعقل والطبيعة، الكل نظام واحد تؤكده التجربة البشرية. ولا فرق بين إعلان الحقيقة عند اليونان أو في الإسلام، فالعقل والشريعة يتم الانتحال ويستمر، طالما أن التخصيب بين الثقافتين قد تم، بين موسيقى اليونان وموسيقى القرآن. (3) «الفقر» و«الملتقطات»

ولما كانت الملتقطات متفرقة كان من الضروري إيجاد نسق موضوعي لها مثل النسق الثلاثي الذي استقر في علوم الحكمة وقسمتها إلى منطق وطبيعيات وإلهيات كما هو الحال في «الشفاء» عند ابن سينا، أو النسق الرباعي الذي فضله إخوان الصفا بإضافة النفسانيات والتركيز على السياسيات في العلوم الإلهية الناموسية والشرعية. وتبدو غلبة النفسانيات على المنتحلات. فأفلاطون فيلسوف النفس وأرسطو فيلسوف الطبيعة.

Unknown page