Min Naql Ila Ibdac Tadwin

Hasan Hanafi d. 1443 AH
200

Min Naql Ila Ibdac Tadwin

من النقل إلى الإبداع (المجلد الأول النقل): (١) التدوين: التاريخ – القراءة – الانتحال

Genres

والتوحيد من أرسطو أو من الإسكندر أو من أفلاطون أستاذ أرسطو. فهي وحدة حضارية واحدة. علم أرسطو الإسكندر، وأظهر الخير، وفاض العدل، وقمع الشرك في بلاد اليونان. ويستشهد طاش كبري زاده باعتماد الإسكندر على علم العرافة في محاربته للفرس. وكان علم العرافة في هذا العصر المتأخر قد أصبح هو نموذج العلم. والإسكندر هو ذو القرنين. وهي صورة إسلامية بصرف النظر عن مدى التطابق بينهما في التاريخ. وعلاقته بأرسطو علاقة المريد بالشيخ. وهي قراءة إسلامية. ورسالة الإسكندر في نشر التوحيد وتسمية حروبه فتوحات قراءة إسلامية. وتسليم أفلاطون لأرسطو كان بوحي من الله مثل عهد الشهرزوري للمريد وقراءة المريد على الشهرزوري في مناهج التعليم في أصول الفقه والتصوف. أما صورة أرسطو المهتم بالدنيا فإنها رسم لسلوك من فلسفة الطبيعة في العصور المتأخرة بعد أن حاول الفارابي الجمع بينه وبين أفلاطون في رؤية متكاملة تجمع بين السماء والأرض، بين الآخرة والدنيا.

لقد وحد الإسكندر اليونانيين كما وحد مينا مصر. وحرر بلاد اليونان من الجزية التي كانت تؤديها إلى دارا ملك الفرس. هذه هي نواة التاريخ. ثم تبدأ القراءة بأن الإسكندر هو الذي سمى نفسه ذا القرنين، وكتب رسائله من ذي القرنين. وهو الذي مدحه القرآن لأنه حكيم أو نبي. فالحكيم هو النبي الطبيعي والنبي هو الحكيم الإلهي. الله يعطي الحكمة، والحكمة تفتح آفاق النبوة. والله يؤتي الملك من يشاء. وقد بشر الإسكندر بالتوحيد ودعا إلى الإيمان بالله الخالق رب الجميع. لذلك انهزم دارا لأنه إنسان ضعيف طاغية، تسمى باسم الإله الذي لا يموت وهو ميت. وانتصر الإسكندر بتأييد من الله الخالق والذي عليه التوكل والذي به الاستعانة. وهو المعبود الحق الذي ينصر من ينصره. وقد قتل الإسكندر دارا لتشتت وعيه حين التفت لمصدر الصوت. تمثل معركة الإسكندر ودارا حرب الشرق مع الغرب، كما تمثل الحرب بين روما وقرطاجة حروب الشمال والجنوب. وتستعمل لغة الفتوحات الأولى لوصف حروب الإسكندر وقسمه بالنصر وثقته بالفتح، فتح مكة. هو صاحب دعوة وفتح وتأييد. ويعرض شروطه: الإسلام أو الجزية أو القتال. وهنا لا فرق بين القراءة والانتحال. فالقراءة بداية الانتحال، والانتحال نهاية القراءة. ويصرح الإسكندر بالدعوة. ويبلغ به الوجد لدرجة التصوف. فإنه مجاهد في سبيل الله «إلى أن يكرمني الله باللحوق بدارا الحبيب.» الإسكندر إله ونبي وبشر، ولا يوجد فرق بين هذه المستويات في الخيال الجمعي والثقافات القديمة. والغريب أن هذا التوجه الإلهي موجود في السيرة أكثر من وجوده في الأقوال. فالسيرة بطبيعتها من صنع الخيال.

36

وتقل أقوال الإسكندر في العصور المتأخرة بعد أن ينتهي عصر الفتوح ويعز الخيال السياسي. ولا تزيد عن الدعوة إلى تقوى الله وإلى تجنب النساء. فالاستكثار من النساء والخلوة بهن يفسد العقول السليمة والطباع المستقيمة. ولا يجب السجود لغير بارئ الكل. وأفعال الله مجردة عن الشهوات.

37

وعند أوديموس أن الله تعالى تفرد بالكمال ولم يعر أحد من خلقه من النقصان. ويذكر طاش كبري زاده الإسكندر الأفروديسي وتقدير شرحه عند اليونان والمسلمين.

38

وديوجانس الكلبي الناسك الذي عاصر الإسكندر في القرن الرابع قبل الميلاد يخاطب ويحاور الشيخ اليوناني في القرن الثالث الميلادي، وبينهما سبعة قرون. هو حوار فكري روحي وليس حوارا جسديا تاريخيا. وربما كان هناك خلط بين ديوجانس الكلبي وديوجانس اللايرتي الذي كان معاصرا لأفلوطين. فالحوار الفكري لا حدود له في الزمان أو المكان. ليس لديه إلهيات كغيره من الحكماء. ومع ذلك لديه نصائح عملية مثل عدم الجزع من المرض، فإن الرحمة من أمر الله تعالى. ورأى رجلا يدعو ويسأل الله أن يرزقه الحكمة مع أنه لو أجهد في التعليم لرزقها.

39

وفي العصور المتأخرة تغرق صورة ديوجانس في التصوف. فأفضل الكلام ذكر الله تعالى. وقد عزم على المضي إلى مكة للدعوة إلى الله تعالى من هناك ثم العودة إلى وطنه، فمكة مكان الدعوة ومنطلقها لليونان والمسلمين على حد سواء! ويأخذ على الناس العهد والقسم.

Unknown page