Min Naql Ila Ibdac Tadwin

Hasan Hanafi d. 1443 AH
199

Min Naql Ila Ibdac Tadwin

من النقل إلى الإبداع (المجلد الأول النقل): (١) التدوين: التاريخ – القراءة – الانتحال

Genres

ويبدو أرسطو أيضا صوفيا صاحب مقامات وأحوال مثل الشكر كما يبدو خطيب مسجد يوم الجمعة على المنبر. يتوجه بالحمد لله الذي سوى الخليقة والذي قسم البرية والذي سبق الكيف والماهية والذي اختبر عباده بأقل من مقدار الطاقة والذي أفاض بنعمه على الإنسان مما استوجب شكره وعبادته والاستعانة به والتوكل عليه راجيا السلامة والتوفيق. فالشكر واجب لله تعالى، والمن له سبحانه على البرية، والطول من عنده، له الحمد، وهو الملجأ والمعين على المهم في الكبير والصغير من الأمور، وهو الشكر الواجب ممن يعرف مننه ولا يحصي نعمه ممن يقول إنه واحد لا أول له ولا زوال لملكه. أنشأ الخليقة لا من موجودات، وأحدثها من متقدمات، خلق الرءوس الأوائل كيف شاء، وبرأ الطبائع الكلية من تلك الرءوس على ما شاء. وهو إعلان توحيد خالص من النبي أرسطو بعد أن تمت أسلمته كلية. ولكل قول سبب نزول كما هو الحال في «أسباب النزول».

وبالرغم من أن معظم الأقوال على العلم وهو ما يتفق مع فلسفة أرسطو، إلا أنه علم صوفي ذوقي. العقل فيه يتوجه نحو الله وليس نحو الطبيعة أو نحو ذاته. ومن خدم العقل وعبد الله عز وجل وفعل الفضيلة محب لله عز وجل. ومن أحب الله محبة إلهية وأحب العقل والفضائل أكرمه الله وأحسن إليه. وإذا أعطى الله الإنسان ما يحب من الظفر فعلى الإنسان أن يفعل ما يحب الله من العفو. ولكن للعقل حدودا، وأن يعقل الإنسان الله أمر عسير، وأن ينطق به الإنسان غير ممكن. والخير الموجب لا يصدق على الله ويصدق على ما دونه، ولا يجوز الله لفلان ولا لشيء من المضافات. إنما السالب فقط يصدق على الله. فهو لا صفة ولا حد ولا نظير له كما هو الحال في آيات أسلوب وفي اللاهوت السلبي. ويتحول أرسطو من لغة العقل إلى لغة الذوق وبأسلوب الرمز. كان يشرب ولا يروى فلما عرف الله روي من غير شرب. فهذا هو قدر الله الجاري في خلقه. والعدل ميزان الله عز وجل في أرضه. فمن أزال ميزان الله عما وضعه بين عباده فقد جهل أعظم الجهالة، واغتر بالله سبحانه أشد الاغترار. ومن أجل إيجاد نواة تاريخية لهذه القراءة تتم الإحالة إلى «السماء والعالم».

33

وتضمحل قيمة أرسطو في العصور المتأخرة، وتقل أقواله وتفيد نفس المعاني الروحية والحياة الباطنية. فمن تمسك بالدين علا قدره، ومن أطاع الله تعالى ملك، والثقة بالله تعالى أقوى أمل وأولى ما يعتمد عليه المرء في كل حال، لا فرق في ذلك بين ملك ورعية. وتظهر بعض الصياغات القرآنية في الأقوال مثل: لو كان له قلب يفقه به وأذنان يسمع بهما عاد معي إليك. كما يشار إلى علاقته الخالدة مع الإسكندر، الأستاذ مع التلميذ، النظر والعمل، النبي والقائد، المفكر والعامل. ويتم الكشف عن بنية القيادة في الحضارات المقارنة. فالبطريق هو القائد من قواد الروم ورئيس رؤساء الأساقفة والعالم عند اليهود. والصور عند أرسطو أزلية في علم الله تعالى، والباري لم يزل بالأزلية. ومن الشنيع أن يقال إن الباري لا يعلم شيئا البتة. ومع ذلك، وفي هذا الجو الصوفي المغرق يظهر دور أرسطو التاريخي في الفلسفة اليونانية. فهو الذي نقد الشعر ناقلا إياه إلى الفلسفة، من الأسطورة إلى العقل. وهو الذي نقد اللغة ضد سوء استعمال السوفسطائيين لها كما نقل الحكماء المسلمون حياة العرب من الدين إلى الفلسفة. وأكمل أرسطو العلوم الناقصة عند من سبقوه، العلوم الأخلاقية والسياسية بعد أن برع من سبقوه في العلوم الطبيعية والتعليمية.

34

وقد تحول الإسكندر ذو القرنين إلى مثل أعلى للملك الفيلسوف، معلم أرسطو، الصديق للقواد، الفاتح للبلدان، المبلغ رسالة التوحيد، سواء كان هو ذو القرنين الذي ذكر في القرآن أم غيره. انقشع الشرك في بلاد اليونان في أيامه. لقد بلغ الإسكندر الذكر في الآفاق. غايته توحيد الممالك. وغلب اليونان الفرس كما غلب الروم اليونان. لقد حرر الإسكندر اليونان من جزية كانوا يؤدونها إلى دارا، ودعا له أرسطو أن ينصره على دارا. ومن نبل الإسكندر تعظيم دارا عند موته وإقامة جنازة مهيبة له وعقاب الخونة. أرسطو هو النظر والإسكندر هو العمل.

وقد علم أرسطو الإسكندر، الأمر بتقوى الله عز وجل وطاعته، «الله تعالى ربي وربكم، خالقي وخالقكم.» ونقد عبادة الأوثان والغلبة لمن يشاء. خرج الإسكندر داعيا إلى الله ومطالبا الناس بتأدية الخراج ومعاقبة دارا. وأحسن الإسكندر معاملة البراهمة، ووجد أنه هو الذي يحتاج إلى تلقي الهداية منهم. لذلك صالح أهل الهند على الخراج. فالإسكندر رسول الله إلى الهند وفارس. ربما اعتمد الشهرزوري على القصص القرآني في أسلمة الإسكندر:

آتوني زبر الحديد ، ووضع النار في أخيلة النحاس. ودفن في الإسكندرية في موكب العظماء. كل شيء زائل إلا الله. وقال وهو يحتضر في بابل: «رب أنلني رضاك، فكل ملك باطل سواك.» وعلاقة أرسطو بالإسكندر، هي نفس العلاقة بين أبي سليمان وملك سجستان، علاقة الفيلسوف بالملك.

35

وهناك ما ينسب إلى الإسكندر وما لا يتفق مع استنارته وعقله وهو أنه حرق كتب المجوسية من فارس وأبقى على كتب النجوم والطب والفلسفة، ونقلها إلى اليونانية، وأحرق أصولها.

Unknown page