Min Naql Ila Ibdac Tadwin
من النقل إلى الإبداع (المجلد الأول النقل): (١) التدوين: التاريخ – القراءة – الانتحال
Genres
وأرسطو فيلسوف أخلاق وإلهيات أكثر منه فيلسوف منطق وطبيعيات. ولكل عمل كمال. وكمال الدين الورع عن المحارم ومعرفة الباري عز وجل باليقين به.
والفلاسفة مسلمون؛ أفلاطون يصلي، وعند أرسطو العلم موهبة الباري. وتظهر بعض عبارات الاعتزال على لسان الفلاسفة مثل شكر المنعم. بل تظهر بعض الأحاديث النبوية على لسان سقراط مثل خير الأمور أوسطها. ويعلق حنين بن إسحاق على آداب ذيوجانس أنها مأخوذة من كلام المسيح عليه السلام لأنه كان قبله، مع أن ذيوجانس كان قبل المسيح بأربعة قرون. والمقصود التشابه بين آداب ذيوجانس وأقوال المسيح، فالمسيحية هي ثقافة حنين، مثل تشابهها مع الإسلام، ولا فرق بين المسيحية والإسلام، فكلاهما ثقافة العرب.
14
وكل الفلاسفة موحدون بالله، المعروف منهم أو المجهول؛ فقد قال أحد الحكماء: «لو تناهت حكمة الباري في حد العقول لكان ذلك تقصيرا لحكمته.» وهو ما يشبه الآية:
لو كان البحر مدادا لكلمات ربي ، لا فرق بين دين العقل عند اليونان ودين الوحي عند المسلمين، وطبقا لحلم المأمون. وعند سقراط العشق قوة هيأها الباري عز وجل ليكون بها الحيوان والخير كله من الله. وعندما توفي ابنه قال: جعل الله تعالى ذكره الدنيا دار بلوى، وجعل الآخرة دار مبقى، وجعل بلوى الدنيا لثواب الآخرة سببا وثواب الآخرة مما لدينا عوضا. فيأخذ ما يأخذ مما يعطي ويبتلي إذا ابتلى ليجزي.
15
وعند أفلاطون أن الله جل ثناؤه إنما جعل لنا أذنين ولسانا واحدا لنسمع ضعف ما نتكلم. ولكل شخص موهبته من الله عز وجل. وقد لا تظهر التعبيرات والألفاظ الإسلامية عند أرسطوطاليس، ولكن تسبيحه فلسفي؛ يا أزل الأزل، يا قديما لم يزل، يا مبدي قدم الأول من نارك. وتظهر العبارات الإيمانية في البداية والنهاية والوسط، سواء كانت من المترجم أو الناسخ، البسملات والصلوات والدعوات.
16
وفي آداب بطليموس، العاقل من عقل نفسه إلا عن ذكر الله تعالى، والحكمة لا تحل قلب المنافق، والموت باب الآخرة، والأعمال في الدنيا تجارة الآخرة، والإحسان إلى المسيء يعرضه لمقت الله تعالى ذكره. ومن لم يتعظ بالناس وعظ الله به الناس. وما أوطأ راحلة الواثق بالله، ونسى مثوى المطيع لله. ويفسر العشق بأن كل نصف يبحث عن النصف الآخر، لأن الله خلق كل روح مدورة ثم قطعها نصفين مثل أسطورة «الأندروجين» عند أفلاطون.
وفي آداب لقمان الحكيم يوصي ابنه بأن الاتكال على الله أروح، وألا يخلو فمه من ذكر الله، فإن فضل ذكر الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه وإرضاء الله بسخط المخلوق، وألا يأخذه في الله لومة لائم، وإصلاح الصلاح، ومجالسة من يذكرون الله، وإعطاء الناس حقوقها. فمن يمنع حقا يفتح الله عليه باب الباطل. وفي آداب سولون أمور الدين والدنيا، أحدها تحت الآخر، مثل القلم والسيف، ولا سيف تحت القلم. وهي الرؤية الإسلامية لصلة الدين بالسياسة، السياسة في خدمة الدين، وليس الدين في خدمة السياسة. وفي آداب إقليدس، من جلالة القلم أنه لم يكتب لله عز وجل كتاب إلا به، وكما أقسم الله بالقلم في القرآن وخلق به. والخط هندسة روحانية تظهر بواسطة الجسد. وعند فيلون الحكمة هي اختيار الإنسان ما يفعل لا بإكراه الشريعة. وفي مكاتبات الحكماء وأجوبتهم طالب أحدهم بالسؤال داعيا للسائل بالتوفيق من الله، وسأل السائل: بم تتلقى النعمة من الله عز وجل؟ وكان جواب الحكيم، تتلقى نعمة الله بكثرة شكره، ولزوم طاعته، واجتناب معصيته. كما أن رضا الناس ليس غاية في ذاته وإلا سخط الرب على من أرضى الناس وأغضب الله. فالإنسان لا تأخذه في الله لومة لائم. كما كتب حكيم أن الله قد حف الدنيا بالشهوات والآفات، وحلالها بالمؤذيات، وحرامها بالعقوبات، وحلاوتها بالمرارات طبقا لجدل الخير والشر.
Unknown page