Min Naql Ila Ibdac Tadwin
من النقل إلى الإبداع (المجلد الأول النقل): (١) التدوين: التاريخ – القراءة – الانتحال
Genres
كانت العقائد للعامة، وكان المشتغلون بعلم العقائد أكثرية حريصة على عقائد العامة، في حين كانت علوم الحكمة للخاصة، وكان المشتغلون بها أقلية تصدم عقائد العامة. كانت علوم العقائد تدرس في المساجد، في حين حمل لواء علوم الحكمة أفراد قلائل متهمون بالكفر من خطباء المساجد وأئمتها. صحيح أن الغزالي قد دعا إلى «إلجام العوام عن علم الكلام»، كما أن رسائل إخوان الصفا كانت تعبر عن الثقافة الشعبية، إلا أن الغزالي كان يود إبعاد العامة عن طرق النظر حتى تظل في اختيار التصوف لها كطريق. وإن إخوان الصفا في النهاية كانت من الصفوة المختارة والأقلية المثقفة. كان علماء الكلام من الحرفيين وتجار السوق، كان منهم النجار والعلاف والغزال، في حين كان الفلاسفة من العلماء والوزراء وعلية القوم وندماء البلاط. وإذا كان علم أصول الدين مستمرا كمخزون نفسي عند الجماهير، خاصة فيما يتعلق بتراث السلطة، فإن علوم الحكمة قد انقطع الاتصال بها لأنها كانت أقرب إلى الدوائر الخاصة المغلقة منها إلى الثقافة العامة لم يبق منها شيء في وعي الجماهير إلا جانبها الإشراقي من خلال التصوف. ومن هنا ارتبطت ثقافة الجماهير بعلم أصول الدين أكثر من ارتباطها بعلوم الحكمة. بينما ارتبطت ثقافة الصفوة بعلوم الحكمة أكثر من ارتباطها بعلم أصول الدين. وبدلا من علوم الحكمة القديمة انتشرت الثقافة الغربية المعاصرة كوافد حديث يملأ فراغ الموروث القديم. كما انتشرت أيضا بين الخاصة دون العامة. (ح)
كان هدف الفرقة الناجية من بين الفرق الهالكة تدعيم السلطة دفاعا عن النظام القائم، بينما كان الغرض الأساسي من علوم الحكمة تقويض السلطة القائمة من الداخل؛ إذ انتشرت في الجماعات السرية مثل إخوان الصفا، وارتبطت بفرق المعارضة العلنية مثل المعتزلة، أو السرية مثل التشيع.
23
صحيح هناك فرق كلامية للمعارضة كما أن هناك من الفلاسفة من كان جليس السلطان مثل: الكندي والفارابي وابن سينا وابن رشد، ولكن الغالب على العقائد السنية تدعيم الدولة السنية، بينما كان الغالب على نظريات الفلاسفة الاستقلال عن السلطة الدينية والسياسية. سجن ابن سينا ومحنة ابن رشد. لذلك لم يتعرض «من العقيدة إلى الثورة» لعقائد الشيعة؛ لأنها لم تكن مخزونا نفسيا مباشرا في مصر والوطن العربي والعالم السني، بالرغم من حب مصر لآل البيت، وتأسيس الأزهر لنشر الشيعة حتى صلاح الدين، ووجود الشيعة في الخليج والعراق. وهو على أية حالة نقص كبير يعيبه علماء إيران. ولكن علوم الحكمة ذات صلة وثيقة بالتراث الشيعي؛ لذلك أمكن إضافته بلا حرج، ليس فقط عند السجستاني والعامري، بل أيضا عند الطوسي وناصر خسرو والشيرازي وغيرهم. وربما للشيعة باع طويل في علوم الحكمة أكثر مما للسنة. (ط)
قام علم الكلام في صورة فرق؛ أي تيارات جماعية أو أحزاب سياسية أو قوى اجتماعية، مثل السنة والشيعة، والمعتزلة والخوارج، والمرجئة والجهمية. وقد كتب تاريخ علم الكلام بطريقة تاريخ الفرق وبطريقة نسق العقائد معا. في حين حمل لواء الحكمة أفراد قلائل: الكندي والرازي والفارابي والعامري وابن سينا وابن باجة وابن طفيل وابن رشد. صحيح أنه كان هناك رؤساء للفرق مثل الأشعري وواصل بن عطاء، وكان هناك فكر جماعي مثل إخوان الصفا، ولكن ظل التمايز بين العلمين هو التمايز بين عقائد الفرق ومذاهب الفلاسفة. المتكلمون كثرة والفلاسفة قلة. يعد المتكلمون بالمئات في حين يعد مشاهير الفلاسفة على أصابع اليدين. صناعة الكلام مشاع في حين صناعة الفلسفة نادرة. (ي)
وكما ارتبط علم أصول الدين بعلم أصول الفقه، فكلاهما شقان لعلم واحد هو علم الأصول، الأول أصول النظر، والثاني أصول العمل، ارتبطت علوم الحكمة بعلوم التصوف من خلال حكمة الإشراق.
24
فمن الحكماء من ارتبط بالعقل والعلم، أي بالطبيعة، مثل الكندي والرازي وابن رشد. ومنهم من ارتبط بالذوق والإشراق مثل الفارابي وابن سينا وابن باجة وابن طفيل. ومن الصوفية من ارتبط بالتصوف العلمي والرياضيات والمجاهدات مثل الصوفية الأوائل وصوفية المرحلتين الأخلاقية في القرون الثلاثة الأولى وصوفية المرحلة النفسية في القرنين الرابع والخامس. ومنهم من ارتبط بالتصوف النظري مثل صوفية القرنين السادس والسابع، السهروردي وابن الفارض وابن عربي وابن سبعين؛ ففي الجزء الرابع من «الإشارات والتنبيهات» لابن سينا، وفي «حكمة الإشراق» للسهروردي، لا فرق بين علوم الحكمة وعلوم التصوف، بل قد نشأت خصومات وعداوات بين المجموعة الأولى، علم أصول الدين وعلم أصول الفقه، وبين المجموعة الثانية: علوم الحكمة وعلوم التصوف، بين علماء التنزيل وعلماء التأويل، بين استنباط الواقع من الوحي واستقراء الوحي من الواقع.
25
وهو النزاع الشهير بين الفقهاء من ناحية والصوفية والحكماء من ناحية أخرى، وعلى الرغم من النزاع بين الفقهاء والمتكلمين. (ك)
Unknown page