Min Naql Ila Ibdac Sharh
من النقل إلى الإبداع (المجلد الأول النقل): (٣) الشرح: التفسير – التلخيص – الجوامع
Genres
ويبحث الإسكندر موضوعا طبيعيا آخر وهو كيفية تكون الحيوانات من العفونة متولدة عن المتواطئة في الاسم أي عن الأشياء التي يطلق عليها نفس الاسم على ما هو معروف في مبحث العبارة من الأسماء المتواطئة أو عند المناطقة المسلمين باسم اشتراك الاسم أو عند الأصوليين باسم الأسماء المتشابهة. كيف تكون كذلك بالطبع أم بالإرادة (الصناعة) أم بالاتفاق؟ ويضم الإسكندر الموضوع من مقال الزاي إلى مقال اللام، ويحيل الكل إلى السماع الطبيعي في الطبيعيات. فالأشياء المتواطئة عند أرسطو هي التي تقال على الطبيعي والصناعي في نفس الوقت. أما الحيوان فيوجد من تلقاء نفسه ويتولد عن العفونة، وإلى هذا الحد يفسر الإسكندر أرسطو تفسيرا صحيحا إلا أنه لا يبين استثناء الجوهر من هذه المواطئة كما يقوم ابن رشد بتوضيح ما غمض على الإسكندر في شرحه لأرسطو مثل ما قاله عن المادة وأنها ترى.
59
وأهم شيء في شرح الإسكندر المقالة اللام هو دفعها إلى الإيمان الديني العقلي، وقد تركها أرسطو جاهزة لذلك لا ينقصها إلا الختام، ويبدأ ابن رشد بشرح مقالة اللام من خلال شرح الإسكندر وليس مباشرة كي يحقق هدفين في وقت واحد، الأول رؤية تفسير لأرسطو متفق مع تفسيره، والثاني تصحيح تفسير الإسكندر لو خالف أرسطو، وقد قطع ابن رشد نصوص مقالة اللام إلى وحدات صغيرة نظرا لأهمية النص، ودلالته لاتصال موضوعه بالموضوع المشترك بين الوافد والموروث، العلة الأولى أو المحرك الأول أو الصورة المفارقة من جهة الوافد، والتوحيد من جانب الموروث. عند الإسكندر والقدماء الجنس غير الهيولى. فالجنس مقولة عقلية تقترب من الصور المفارقة. والكل مثل الجنس لا هيولى فيه، وتتحد مبادئ الجوهر السرمدي والعلة الأولى والمبدأ للجسم الإلهي، ربما كانت غاية ابن رشد من الاعتماد على شرح الإسكندر استمرار تراث الإيمان العقلي من أرسطو إلى الإسكندر إلى ثامسطيوس حتى ابن رشد لعمل بؤرة لمقالة اللام مما يضطره أحيانا إلى إعادة إحكام شرح الإسكندر وشرح ثامسطيوس حتى تتحد بؤرة العدسات الأربع.
60
وقد وصل ابن رشد إلى شرح مقالة اللام إلى الإسكندر عن طريق ثامسطيوس وتلخيصه لها. فابن رشد في موقف إبداعي خالص أمام مقالة اللام لأرسطو لأنه لم يجد أي شرح لها إلا شرح الإسكندر وتلخيص ثامسطيوس. وهو نفس الموقف الإبداعي لأرسطو لأنه لم يجد أحدا من المتقدمين قد سبقه لتأسيس هذا العلم. ويبدأ ابن رشد بشرح الإسكندر. فإذا ما وجد شكا في شرح ثامسطيوس أزاله. وإذا ما وجد زيادة حذفها. فشرح الإسكندر هو مقياس صحة شرح ثامسطيوس. وهو موقف ضد أولوية النص على الشرح، أولوية الكتاب على الحديث كما هو معروف في مصادر الشريعة الأربعة في علم أصول الفقه . وهناك احتمال ضياع نص أرسطو داخل شروح الإسكندر وثامسطيوس. كما أن صعوبة أفعال القول والإرادة يصعب معها معرفة من يقول أو يريد أرسطو أم الإسكندر أم ثامسطيوس أم ابن رشد؟ ويقوم ابن رشد بعملية جراحية بفصل تلخيص ثامسطيوس عن شرح الإسكندر عن نص أرسطو. ويلاحظ أن تفسير الإسكندر ناقص، ومن هنا أتى خطأ تفسير ثامسطيوس لأنه تفسير على ملخص ناقص للإسكندر؛ لذلك غابت من شرح ثامسطيوس أشياء بالرغم من عرضه على تلخيص كلام الإسكندر شارحا أقوال أرسطو، وتكشف العملية على قدرة ابن رشد على معرفة ما لأرسطو وما للإسكندر وما لثامسطيوس، وكيف أن الشراح المسلمين، الفارابي وابن سينا، قد تابعا ثامسطيوس في حين أن ابن رشد قد تابع الإسكندر، والكل إلى حكيم اليونان منتسب، ولكن ابن رشد يزيد عليهم جميعا المعرفة بالعلة وهو ما وصل إليه عن طريق التعليل في علم الأصول.
61
وأهم موضوع يتناوله ابن رشد في ثامسطيوس هو دفاعه عن الصور الأفلاطونية وتأويل طبيعيات أرسطو تأويلا أفلاطونيا لإثبات الصور المفارقة في الموجودات المتكونة سواء في النفس أو في البذور. وهو نفس الرأي الذي يقول إن الصور كلها من العقل الفعال كما ظن ابن سينا. فشرح ثامسطيوس تأييدا لأفلاطون والصور المفارقة ضد أرسطو والصور المتولدة. إذ يقول أرسطو بالقوة النفسانية القريبة أو البعيدة (الأجرام) وليس بالصور المفارقة الفاعلة. فالصور هي المثل المحركة للطبيعة. والحقيقة أن حرارة الشمس والكواكب المتولدة في الماء والأرض هي المكونة للحيوانات المتولدة من العفونة ولكل ما يكون من غير بذر وليس أن هناك نفسا بالفعل حدثت عن الفلك المائل والشمس كما يظن ثامسطيوس ويروي. فهل انتقال الفلسفة من جيل إلى جيل ابتعاد عن العقل والطبيعة سمة فلسفة أرسطو إلى الإشراقيات سمة فلسفة أفلاطون؟ وهل مهمة ابن رشد هي العود إلى سمات الجيل الأول، جيل أرسطو، حيث يجده متفقا مع العقل والطبيعة أساس الوحي الإسلامي بتأكيده على أن الدين الطبعي هو نهاية تطور الدين؟
62
وقد صرح ثامسطيوس في كتابه في النفس في آخر المقالات التي تكلم فيها عن العقل أنها هي التي وجدت من الآلهة الثواني كما قال أفلاطون ومن الشمس والفلك المائل كما قال أرسطو. كما يلجأ أرسطو إلى المحرك الأول لينبه على أنه غير الحركات القريبة طبقا لظاهر كلامه دون تأويل، والظاهر والمؤول أحد مفاتيح منطق اللغة في علم الأصول. وينكر ثامسطيوس أن تكون في الشمس وسائر الكواكب المتناهية قوة لا متناهية، ويثبت أن اللاتناهي في الكواكب وبالتالي فقوتها ليست طبيعية، ويجوز ثامسطيوس أن يعقل العقل معقولات كثيرة دفعة واحدة في حين أنه عند ابن رشد يعقل ذاته ولا يعقل شيئا خارجا عنه؛ فثامسطيوس يرجح أن ترد المعقولات على العقل من الخارج وطبقا لتصور أفلاطون، وابن رشد من وعي العقل بذاته وطبقا لتصور أرسطو.
63
Unknown page