Min Naql Ila Ibdac Sharh
من النقل إلى الإبداع (المجلد الأول النقل): (٣) الشرح: التفسير – التلخيص – الجوامع
Genres
ويتبع ابن رشد طريقة أرسطو لإثبات أن المحرك ليس في هيولى وهو طريق الأولى، فالأشرف أولى من الأخس وقياس الأولى هو قياس الفقهاء؛ فابن رشد الفقيه هو الذي يتعامل مع أرسطو الفيلسوف. وهو ما تتضمنه مقالة اللام، وهي التي تتمم العلم، وتكمل الجزء الأول منه. والفلك أشرف أجزاء الكوكب. وكلما كثرت الكواكب كان أشرف. وقد صرح أرسطو بذلك. الفلك المحرك بالحركة العظمى هو أشرف الأفلاك. وقد ظن البعض أن مذهب أرسطو هو وجود محركين بعدد الحركات. وصحح الإسكندر ذلك في مقالته المشهورة «مبادئ الكل»، وجعل المحرك لجميع الأفلاك محركا واحدا. ويحاول ابن رشد الجمع بين الاثنين بحثا عن الأولى والأليق. فلكل حركة متحرك طبقا لأهل التعاليم وإلا لفعلت الطبيعة باطلا وعبثا. وفي نفس الوقت الحركة واحدة بالحقيقة تكون عن محرك واحد.
ويستعمل ابن رشد ظاهر قول أرسطو كي يثبت أن الله عالم بكل شيء وأنه لا يضيره أن يعلم الأفضل الأخس والأكثر كمالا الأقل كمالا والأتم الأنقص لإثبات العلم الإلهي ضد منكريه.
ويضع ابن رشد قضية الصور في سياقها التاريخي ثم ينتهي كما انتهى إليه أرسطو أنه «لا حاجة لنا في ذلك إلى القول بالصور.» كان الفلاسفة قبل أفلاطون يرون أن العلم هو المحسوسات. ولما رأوها متغيرة نفوا العلم حتى إن البعض منهم إذا سئل عن العلم أشار بإصبعه أي إنه متغير ومن ثم لا حقيقة أصلا. وهو الموقف السوفسطائي. ثم أتى سقراط وأثبت وجود معقولات أزلية خارج النفس مطابقة لما هي عليه في النفس، وهي مبادئ الجوهر المحسوس فلو كانت موجودة فليس لها غناء في وجود الكائنات. فالجزئي جزء لآخر مثله شبيه بالنوع ولا يوجد لها صورة خارج النفس.
وثامسطيوس يحتج لأفلاطون على وجود الصور الفاعلة بوجود الحيوانات التي تتولد عن العفونة. ويظن أن هذا مقربه عند أرسطو دون ما حاجة إلى إدخاله سببا للكون على ما يظن في كتاب «الحيوان»، ولكن المبدأ القريب عند أرسطو هو القوة النفسية والبعيد هو صور الأجرام السماوية، ومن غير المحتمل أن يرى أرسطو أن للصور المفارقة تأثيرا عاما في جميع ما يتكون بغير واسطة. وقد أخطأ من يظن ذلك وأجرى الأقاويل العلمية مجرى الأقاويل الشعرية التي تستعمل في تعليم الجمهور. ولولا النفس لم يوجد إلا التحرك فقط، وهذا بين مما يقوله الإسكندر لأنه ليس غير المتنفس أفضل من المتنفس لأنه مدبر له ومتقدم عليه. والأزلي أفضل من غير الأزلي.
ويخطئ الإسكندر من يقول إن العناية تقع بالجزئيات كلها. وكان أصحاب الرواق يقولون ذلك لأن العناية تكون للكل لأنها عالمة به؛ لذلك أخطأ بروتاجوراس عندما جعل نسبة الخير والشر إليه نسبة واحدة. وهو قول غريب على طباع الإنسان ومناف لطبيعة الوجود التي هي في غاية الخير. فلا يوجد خير أو شر أو يتغلب أحدهما للآخر فتعدم الحقيقة؛ وبالتالي يكون تعظيم الله وعبادته خيرا، وقد يكون الخير في غيره، وكلها آراء شنيعة.
9
ويتسلم عدد الحركات والأجسام المتحركة من صناعة النجوم التعاليمية الأشهر في «وقتنا» والذي ليس عليه خلاف بين أهل هذه الصناعة من لدى بطليموس إلى «زماننا» وترك ما بينهم من خلاف. ووجود فلك تاسع في شك؛ فقد ظن بطليموس أنه توجد حركة بطيئة لفلك البروج غير الحركة اليومية التي يتم دورها في آلاف السنين، ويضرب المثل بقول جالينوس على القول بمثال متوسط بين الصحة والمرض تجوزا على المتوسطات. وقد رأى فيثاغورس أن هناك كما مفارقا، وجوده غير وجود هذا الكم المحسوس هو موضوع صناعة التعاليم. وحصر ديموقراطس فصول الأشياء في ثلاثة فقط: الشكل، والوضع، والترتيب. وهذا هو سبب عذله. الفصول أكثر من ذلك مثل الجواهر التي فصلوها في الحرارة والبرودة، وقال فرفريوس وربما أفلاطون وغيره من الفلاسفة المتقدمين إن الجوهر هو الجسم ذو الأبعاد الثلاثة. ثم اختلفوا بعد ذلك بأن جعل البعض المادة الأولى غير مصورة بالذات وبعضهم جعلها مصورة بالأبعاد مثل أصحاب المظلة. وتؤدي أفكار القوة والفعل في العلم إلى شك مانن كما هو مذكور في أنالوطيقا الأخيرة.
ويحال إلى باقي مؤلفات أرسطو المنطقية والطبيعية. فالإلهيات هي طبيعيات مقلوبة، وكلاهما إنسانيات، إسقاط من الزمن على الواقع عن طريق الوهم. فيذكر البرهان ثم المقولات، والسماء والعالم، ثم النفس، ثم السماع الطبيعي والحيوان، ثم أنالوطيقا، وسوفسطيقا، والكون والفساد، وما بعد الطبيعة، وفي مبادئ الكل للإسكندر.
10
يحيل ابن رشد إلى كتاب البرهان في تصنيف الصناعة إلى كلية وجزئية، الكلية التي تنظر في الموجود بإطلاق ودوافعه الذاتية مثل الجدل والسفسطة وما بعد الطبيعة، والجزئية التي تنظر في أحوال الوجود مثل الطبيعة والتعاليم. وفي البرهان تظهر أغاليط القدماء في العلوم الجزئية القسم الثالث من علم ما بعد الطبيعة بعد القسمين الأولين، الموجودات المحسوسة والمبادئ المفارقة. ويعرف التمييز بين الذات والعرض أيضا في كتاب البرهان، وتنشأ المجالات من وضع هذه الكليات بذاتها خارج النفس، وهي مخترعة وكاذبة وليست صادقة. فالصادق هو الذي يوجد في الذهن مطابق لخارج الذهن كما وضح ذلك في كتاب البرهان. وتعرف الأعراض من كتاب المقولات وكذلك المتقابلات والمتقدم والمتأخر وأنواع المحمولات. وتبين في سوفسطيقى أن ما لا نهاية له بالفعل تناقض.
Unknown page