ظا، وأحلى شكلا، وأملح قدا
ولن يستطيع القارئ مهما يعظم حظه من الذكاء وسعة الحيلة والقدرة على التعليل والتحليل والتأويل أن يجد مصدرا معقولا لهذه الأطوار التي اختلفت على المفاوضات أثناء عام كامل، بل أكثر من عام كامل غير الحب الذي يعذب النفوس ويمزق القلوب ويضني الأجسام.
وقد بدأ هذا الحب كما يبدأ الحب دائما برغبة تمازجها الرغبة، وطمع يشيع فيه الخوف، وأمل يعروه اليأس. والقارئ يذكر من غير شك أن بعض ساستنا كان يمد طرفه إلى الإنجليز، وقد امتلأت نفسه فتونا وهياما، ثم يرد طرفه عن الإنجليز وقد امتلأت نفسه خوفا وإشفاقا. يقرب ليبعد، ويدنو لينأى، ويقدم ليحجم، وينشد قول الشاعر القديم:
شكوت فقالت كل هذا تبرما
بحبي أراح الله قلبك من حبي
وأدنو فتقصيني فأبعد طالبا
رضاها فتعتد التباعد من ذنبي
فيا قوم هل من حيلة تعرفونها
أشير بها أستوجب الشكر من ربي!
وكانت الهيئة السياسية في ذلك الوقت تسمع هذه الشكاة وتشير على الشاكي بألوان من الحيل؛ فكان بعض الناس يشير بالحزم الرفيق والعزم الرقيق والإقدام في كثير من الاحترام، وكان بعض الناس يشير بالحزم العنيف والعزم المخيف والإقدام في غير إحجام، وكان الشاكي يتردد بين هذين الناصحين، أو بين هذين العاذلين، وكان الشعب المصري يرثي لهذا الشاكي مرة ويضحك منه مرة أخرى، وكان الحبيب البعيد القريب يصنع صنيع صاحبة بشار حيث يقول:
Unknown page