وما انقضى تموز حتى راجعت فأجبت في آخر آب، وذكرت في أوائل أيلول فما نفعت الذكرى أيضا، وصح بتلك المواعد قول النابغة:
تمر بها رياح الصيف دوني
ولكن الغريق يتعلق بحبال الهوا، فبقيت أراجع أوتوماتيكيا - بدلا من دواليك - فقيل لي في آخر شباط: ينتهي كل شيء، ولكن شباط شبط ولبط، وشخر آذار وهدر، وما تفتح في أرضنا برعم من براعم التليفون.
أرأيت كيف تجري الأمور أوتوماتيكيا؟
قرأنا أننا تحدثنا مع باريس هاتفيا، فقلنا: عال. وقرأنا تصريحات معالي الوزير أمس بأن باريس سوف تصبح مدينة ترانزيت، فنتمكن من الاتصال بجميع عواصم أوروبا ومدنها، فقلنا: شيء عظيم، وقرأنا أن العاصمة ستتكلم أوتوماتيكيا عام 1953 فقلنا: عظيم جدا، كل هذا دليل على الرقي.
ولكن ألسنا كلنا أبناء دولة واحدة؟ أما لنا نحن بعض ما للعاصمة؟ نرضى أن يكون لنا من الجمل بعض شعرات من ذنبه لا أذنه كما يقولون ، ترضى القرية أن نلبس ثياب أختها العتاق ... لا نطلب إلا السترة ...
أنشكو نزوح القرى إلى المدن ثم لا نعمل للقرية شيئا؟!
ما أرى مثلهم إلا كمثل أب يلبس زوجته وبنته الكبرى أحدث الثياب وأغلاها، وأنفس الحلي وأبدعها؛ للصباح حلي وثياب، وللمساء حلي وثياب، أما أولاده وبناته الآخرون فليس لهم فستان شيت ولا طقم كاكي ... عوراتهم مكشوفة يمشون بالزلط يا واو ...
أمن العدل ألا يكلم ابن القرية طبيبه فيدركه قبل أن يفطس؟! أمن العدل أن نشقى ساعات مشيا على الأقدام لندعو طبيبا ونجلب دواء؟
يقولون: إننا في عصر السرعة ثم لا نشعر بها إلا في الوعود، فقبل أن تسأل تجاب: نعم نعم، بكرة، من كل بد.
Unknown page