قلت: أفندم! فكركر في الضحك، وقال: هذي كل بضاعتك من التركية. كان من تقاليد الصدور العظام والنظار - الوزراء - أن يدعوا مشايخ الآستانة العلية إلى إفطار في رمضان، فيركضوا إليها ركضا، ويقوموا بالواجب بهمة ونشاط، وعند الانصراف كان يدس الوزير في كف كل شيخ منهم إصبعا من الليرات الذهبية قائلا له: ديش باره سي، فيخرج من عنده شاكرا حامدا، ويبيت ليلته يبصر في نومه وزير الغد، موسم ينتظرونه من الحول إلى الحول.
ولما رآني لم أتحرك قال: ما فهمت معنى الديش باره سي، هذا تعبير تركي معناه: أجرة الأسنان، أرأيت «نزاكة» الأتراك؟ ولكن قل لي بحياتك: كم الذين قبضوا أجرة أسنانهم اليوم من تركة المرحوم؟
وكان حدي في المجلس واحد من رفقاء المدرسة وهو ممن حلت عليهم النعمة ولم تبارحهم مثلي، فكان ممن قبضوا أجرة الأسنان، فقال له البيك: لا تؤاخذنا يا محترم، هذي نكتة ...
ومات البيك ومرت سنون وإذا بي - منذ أيام - التقي بالرفيق فأنكرته لجلال الشيب والهرم، أما هو فعرفني وأخذنا نتذاكر أيام الصبا والشباب، وتذكرنا البيك والديش باره سي، فقال لي رفيقي الكاهن الجليل - وهو ينظر إلي نظرة المريض إلى وجوه العود: ترى لو قام البيك اليوم من قبره ورأى كيف تؤكل صناديق الدولة ماذا كان يقول؟
قلت: كان يقول: أنياب: أنياب باره سي ...
25 / 11 / 50
بارازيت
في مأتم - ببلاد جبيل - تجمع أكابر «القوالين» ليعددوا ميتا وجيها في قومه، ولسوء حظ أهل الفقيد جاءوهم برز بينه وبين السمن ما بين القيسي واليمني ... فكفوا أيديهم عنه ونسوا الفقيد الكريم وقاموا يندبون «الغدا» فكانت الردة - اللازمة:
والسمنات باللقلوق
والرزات عالمينا
Unknown page