إميل اليوم - ملء سمع دنيا العرب وبصرها - متصل برجالات الغرب، سياسيين واقتصاديين، ولكن هذا النفوذ لم يمح خطا واحدا من طلاقة المحيا التي عرفتها منذ ربع قرن، ويوم كان إميل البستاني تلميذا في الجامعة الوطنية قد لا يملك ما يقوته ويكسوه. المرح الدائم، والعمل المستمر هما قوام هذا الرجل.
ما وقف يتكلم أمس حتى قلت: إنه هو. وما توغل في موضوعه حتى بدت لي الروح التي نشأ عليها، كذلك كان لبنانيا عربيا قحا يقدس اللسان ويؤمن بحيوية الجنس، وضرورة الاتحاد، ويقدس المثل اللبناني القائل: جارك القريب خير من أخيك البعيد.
عرفنا إميل في محاضرته بنار الحضارة التي علقت بأذيال الصحراء حيث حلت الطائرات والسيارات محل قوافل النياق.
مساكين الجمال! ولت أيامهم، ولكل عصر رجال.
نحن المعلمين تعجبنا القراءة البريئة من اللحن، والعبارة الصحيحة السليمة، وهذا ما سرني من تلميذي. تكلم ساعة وما وقف إلا ريثما جاءت الشمعة، فعاد الشلال إلى تهداره، أعصاب حديدية تشهد لها بالمتانة والليونة وقفاته المشهورة تحت قبة البرلمان.
وضع إميل في محاضراته خطوطا رئيسية لاتصال لبنان بالعالم العربي؛ خطوطا ثقافية وصناعية وتجارية، ثم راح يعللها تعليل أستاذ خبير، وقد أصاب جدا حين أوصى من يعنيهم الأمر أن يهتموا بالطلاب العرب المنتشرين في مدارس لبنان وجامعاته.
حقا إن هذا الإهمال غريب! لي ثلاثون سنة في مدرسة هي أحفل المدارس بالطلاب العرب من جميع الأقطار، وفي هذا العمر من الحياة المدرسية ما جاء واحد قط من قبل الحكومة يسألنا عن هؤلاء الشباب كيف حالهم؟ ولا قال لهم أحد: كيف حالكم عن معرفة؟ اللهم إلا ورقات كنا نملؤها في زمن الانتداب لندل على عددهم وطوائفهم، وما زالت هذه الأوراق الموروثة تأتينا فنعبئها، وهذا كل شيء.
Unknown page