هكذا كانت تقايض الحكومات النواب بمخصصات المناطق وتأخذ منهم الثقة الغالية رأسا برأس ... أما ثقة الشعب فأي قليل عقل يسأل عنها؟! من يسأل عن «ثقة» لا تشيل ولا تحط ولا تقدم ولا تؤخر. كان النائب حاكما بأمره يأمر بنقل الأموال من بند إلى بند، ويأخذ مال قرية لينفقه في أخرى، وما على صاحب المعالي إلا أن يبتسم ويقول: طيب! فليكن.
منذ سنوات خصصوا لجر مياه نبع قطرة - بلاد جبيل - مبلغ 300 ألف ليرة، ثم رسموا الخرائط ودفعوا ثمن المياه وخططوا «السبل» في كل قرية، وقعدنا ننتظر الورود لنكسر عطشنا، ولكن الأيام مرت وظل النبع يسقي الصخور والأرض البور، والثلثماية ألف ليرة لم نعلم كيف طارت ولا في أي بطن هي؟
دفعت في هذا الصيف زهاء مائتي ليرة ثمن مياه نقلتها من الضبية ونبع القطين إلى عين كفاع، أما من لم يستطع فكان يشرب من مياه الآبار الآسنة، ما جرني إلى تفريغ هذا الجراب إلا ما قرأته في الصحف عن المشروع الإنشائي، وقد أعجبتني من قانونه المادة الثالثة، وهي: لا يجوز نقل أي مبلغ من مشروع إلى آخر في الجدول الملحق بهذا القانون، إلا بقانون خاص.
إن هذا البند جعل أملنا بالشرب كبيرا، ولكن كلمة «إلا بقانون خاص» تخوفني، فليت الحكومة تستغني في قوانينها عن «إلا وإذا» ليطمئن قلبنا إلى مواعيدها ... يجب أن تكتب الميزانية بأصبع الرب، ويجب أن ينفق كل رقم منها في المكان المعين له، ويجب أن يبقى لأصحابه وإن أقوى وطال عليه سالف الأمد.
في ذلك الزمان قدموا للجنرال ويغان ميزانية جديدة ليمضيها، وبعد التدقيق رأى فيها مبلغ مائتي ألف ليرة باقيا من عام أول. ولما سأل لماذا بقي أجابوه: وفرناه، فانتفض، وقال: ليست ميزانية الحكومة دكان أبازير
Epicerie ، أنفقوه على ما خصص له حتى أصدق لكم.
فليت الحكومة تقطع ذنب المادة الثالثة - إلا بقانون خاص - فيبقى لكل ذي حق حقه، وهكذا نتقي شر من لا يهمهم من النيابة غير أخذ مال هؤلاء وإعطائه أولئك.
17 / 12 / 52
قص لحية عضو
البقية الباقية من ألسنة النواب تحاول إلغاء الطائفية، والطائفية مرجة خضراء فيها كل طيب مري لمن يحبون أن يؤتوا أكلهم على الهينة.
Unknown page