وراحت السفينة تشق البحر بحيزومها، وعلى ظهرها توفيق، وخلفت على الشاطئ فتاة بين الحياة والموت.
ولكن السفينة لم تكد تمضي على وجهها حتى جاءتها الأنباء بأن المجاز مغلق في طريقها، فعادت أدراجها إلى كونستانزا حتى يصدر إليها الأمر بالسير.
وأرست السفينة، فهبط توفيق مسرعا إلى البر ليرى فتاته ويأنس بها ساعة، وهو لا يعرف من أمرها شيئا، ودق الباب ودخل، وكانت تهذي باسمه، وفزع توفيق وجرى إليها وهو يصيح: «مارتزا! مارتزا!» وأفاقت مارتزا بعد غشية يومين، وشفاها لقاء حبيبها حين عجز الطبيب!
وثابت إلى الفتاة قوتها رويدا رويدا، ولكنها لم تفارق فراشها ولم يفارقها توفيق، ومضت أيام، وصدر الأمر إلى السفينة باستئناف رحلتها، وخاف توفيق أن ينال الفتاة ما نالها أول مرة لو علمت أنه موشك أن يفارقها، فأسر الخبر إلى أمها لتحتال في أمرها ...
ومضى توفيق ليؤدي واجبه في السفينة وهو محزون أسوان، وكان باقيا على إبحار السفينة ساعات حين جاء الربان يسأله: «توفيق، إنك تعرف فتاة كانت تريد أن تعمل وصيفة في السفينة؛ فهل يمكن أن تدعوها الآن؟ إن إحدى وصيفاتنا مريضة وقد غادرت السفينة إلى المستشفى، ونحن في حاجة إلى بديل!»
ولم يتلبث توفيق، فما هو إلا أن أسرع إلى صديقته يدعوها، وأبحرت السفينة وعلى ظهرها الحبيبان ...
وكان على رصيف الميناء عجوز تلوح بمنديلها.
توفيق وأخته: هكذا كان يعرفهما ركاب السفينة جميعا: الملاحون والركاب.
ومضت السفينة بهما تشق البحار من الشرق إلى الغرب، ومن الجنوب إلى الشمال، ينعمان بالحب وسعادة اللقاء، لا يظنان أن سيفرق بينهما شيء، وتمازجت روحاهما حتى ليس بينهما سر، وسالمتهما الليالي ... ومضت سنوات ...
وكانا في إحدى المواني حين جاءت الفتاة برقية بأن أمها تحتضر. وكان الفراق، وباعدت الحادثات بينهما، ولكنه لم ينس، ولكنها لم تنس؛ فإنه ليكتب إليها وإنها لتكتب إليه.
Unknown page