وهبط الشرطي بالفتى إلى الشارع، وأحاط به الناس، وراح الفتى يحاول الخلاص صاخبا حينا وضارعا حينا آخر ...
ورفع عينيه إلى النافذة فرآها تطل كاسفة ممتقة الوجه ...
ورفع الناس عيونهم فرأوها، وقال البواب: «لقد أمرتني أن أدعو له الشرطة، إنه لا يكف عن مضايقتنا ليل نهار ...!»
وقال الفتى بذلة: «اسألها يا سيدي، إنها ... إنها لا تريد ...»
وقالت السيدة وصوتها يقطر أسى: «دعوه ...!»
وغضب من غضب من الرجال وثارت غيرته، وذهبت أنفسهم مذاهب من الريبة وسوء الظن، وأطل الفضول من نوافذ البيوت الأربعة ... وتوقع الجيران أن يشهدوا فضيحة ... وظنوا الظنون ...
وعاد الفتى يتوسل، والبواب يتشدد، ويد الشرطي في عنق الفتى وعيناه إلى هناك ... وعادت السيدة تقول في ضراعة: «دعوه، أرجو أن تتركه يا سيدي، إنه ... إنه أخي ...»
وأغلقت النوافذ المفتوحة، وتوارت الرءوس المطلة، ومضى الشرطي والبواب بالفتى، وجلس الجيران يتهامسون. وكانت سيدة تجلس وراء النافذة وحدها، في وجهها أظفار دامية، وفي عينيها على الرجل الذي أدماها دموع ...!
آخر الطريق
على الضفة اليمنى من «بحر شبين» كان يقوم القصر الأبيض، كما يسميه أهل القرية والقرى المجاورة، وهو بيت مبني على طراز بيوت المدن، تفصل بينه وبين الطريق العام حديقة كبيرة تحنو على حوافيها أشجار ذات ظلال وأريج.
Unknown page