ولم يتلبث صهيون كاهن اليهودية الأعظم في مدينة طرسوس، فخلف الزحام وراءه ومضى مسرعا إلى قصر الملك ... - «مولاي!»
وكان وزراء الملك من حوله، فنظروا إلى صهيون يستمعون لما يقول، واستمر الكاهن في حديثه : «سأدلك يا مولاي على ميشلينيا، ميشلينيا وزير الملك دقيانوس الذي فر من طرسوس منذ ثلاثمائة سنة، سآتيك به حيا والجائزة لي!»
ونظر الملك إلى وزرائه، ونظر الوزراء بعضهم إلى بعض، ثم توجهوا جميعا بأنظارهم إلى الكاهن يسألونه بيان أمره! ومضى الكاهن في حديثه يقص قصة الفتية والجائزة الموعودة ...
وقال وزير من وزراء الملك: «يا مولاي، إنه أمر ذو بال، لا أعني حديثه عن الجائزة التي يطلب، ولكن حديث الفتية الذين يزعم أنهم ناموا ثلاثمائة سنين ثم عادوا إلى الحياة، إنها إن صحت لعظة الأجيال، وآية البعث، ويقظة التاريخ الذي طوته القرون ... والرأي عندي أن يطلب مولاي إلى الكاهن صهيون أن يدعو هؤلاء الفتية لنراهم رأي العين أحياء يتنفسون، ونستمع إلى حديثهم وما كان من أمرهم ...»
قال صهيون: «والجائزة؟»
قال الملك: «وتكون لك الجائزة!»
وخرج الكاهن اليهودي مسرعا إلى الطريق يسعى إلى الأمل، لا يرى بينه وبين أن يبلغه غير خطوات معدودة، ولا يشغله من أمره شيء إلا الثروة التي يمني نفسه بأن تكون بين يديه بعد قليل. ومضى في طريقه لا يحيي أحدا ولا ينظر إلى أحد، فلما بلغ حيث كان الزحام وجد الطريق خالية ليس فيها سائل ولا مجيب. وأغذ السير يتبع آثار الجماعة إلى خارج المدينة وهم يثيرون الغبار وراءهم على مبعدة، فأدركهم بعد عناء ...
وبدا له على مرمى قريب جبل قائم، يشتد الزحام عند سفحه من كثرة يموج بعضهم في بعض، ويتطاولون بأعناقهم ليروا شيئا لا يتبينه صهيون حيث يقف، فاستجمع عزمه وراح يشق الزحام بكتفي جبار، وفي نفسه شعور غامض يوحي بالحيرة والقلق ...
وبلغ سفح الجبل، فرأى وسمع وعرف. هذا كهف الرقيم حيث يرقد ميشلينيا وصحبه، وحيث كانوا يرقدون منذ ثلاثمائة وتسع سنين قمرية، ضرب الله على آذانهم فناموا ما ناموا، حتى إذا أراد الله أن يظهر آيته أيقظهم فترة من الزمن ليكونوا رسالة من عالم الغيب إلى عالم الشهادة، وحقيقة من التاريخ تنطق بالعبرة، وموعظة ناطقة تتحدث بما كان وبما سيكون؛ فلما بلغ الله بهم ما أراد من بيان قدرته، ردهم إلى التاريخ ليكونوا خبرا من خبرة تتحدث به الأجيال ... فليس في واحد منهم عرق ينبض ...
أوه ...! إذن فقد عادوا موتى، فلا سبيل لأحد عليهم بعد؟
Unknown page