Min Caqida Ila Thawra Tawhid
من العقيدة إلى الثورة (٢): التوحيد
Genres
والحقيقة أنها لا حصر لها لا صفات ولا أسماء. فالكل يتوقف على مدى قدرة الإنسان على التأليه، أي على تحويل ذاته إلى مثال ووصفها بأفضل ما لديه من مثل عليا يسعى إلى تحقيقها ولم تتحقق بعد. فالكمالات لا نهاية لها. وهذا هو السبب فيما توحي به الصفات من كونها إنسانية تقريبية. هي صفات واحدة، سواء أطلقت على «الله» أم على الإنسان. ولا توجد صفة واحدة يطلقها الإنسان على «الله» تكون خاصة به وحده، حتى القدم والبقاء والغنى وأوصاف الذات كلها، فالإنسان موجود قديم باق، مخالف للحوادث لأنه يتعالى ويفارق، لا في محل من حيث هو شعور واحد. أما إثبات الاشتراك ثم التمييز في كيفية الاستحقاق فهو عمل الشعور بالتنزيه.
53
يكون ذاته فيكون واقعا، ويتحول إلى غيره فيصير مثالا. وكان الفقهاء قد اعترضوا من قبل على استعمال لفظ «الصفة» للتعبير به عن محاولة وصف «الله» والتعرف عليه.
54
وبصرف النظر عن كون الرواية خبر آحاد أم لا والاعتماد على الأدلة النقلية أو الإجماع فإن استعمال الصفة لا بد وأن يوقع لا محالة في الشركة، وفي إطلاق صفات الإنسان من علم وقدرة وحياة وسمع وبصر وكلام وإرادة على «الله». لفظ الصفة لا يشير إلا إلى عرض في جوهر، أي إلى صفات حسية لأجسام، فكيف يطلق ذلك على «الله»؟ بل إن اللفظ لم يرد في أصل الوحي إلا كفعل، ومرة واحدة كاسم «وصف»، وكلها بمعاني سلبية. الوصف قد يكون كذبا، فكيف يوصف «الله»؟
55
ومع ذلك، الصفات عند القدماء أول أصل التوحيد.
56
وعلى هذا النحو يكون لدينا وصف للذات باعتبارها وعيا خالصا، ثم وصف للصفات باعتبارها مكونات للوعي الخالص في الشخصية الإنسانية أو في الإنسان الكامل. «الوعي الخالص» وصف الذات في نفسها، علاقتها بذاتها، الذات من حيث هي ذات. ولها أوصاف ستة: الوجود، القدم، البقاء، المخالفة للحوادث، القيام بالنفس، الوحدانية. و«الإنسان الكامل» يتضمن صفات الذات في علاقاتها بالغير، في تخارجها وفعلها ونشاطها. وهي الصفات السبع: العلم، القدرة، الحياة، السمع، البصر، الكلام، الإرادة. إذا كانت الذات هي الوعي الخالص الشامل وهو الذي يتم وصفه بطريق التنزيه، أي نفي المشابهة عنه فإن الصفات تكون صور تعبير الذات عن نفسها وتخارجها إلى العالم. علاقة الذات بالصفات إذن علاقة المركز بالمحيط، علاقة الخيط بحبات العقد طبقا للتصور الإنساني الشائع عن ضرورة الحامل للمحمول، والموصوف للصفة، والموضوع للمحمول، والفاعل للفعل، والمبتدأ للخبر. وفي هذه الحالة تسمى الذات أيضا ماهية وتسمى الصفة وجودا. إذا كانت الماهية يصعب معرفتها إلا عن طريق التقريب والمشاركة، فإن الوجود يمكن التحقق منه ببداهات الحس وشهادات الوجدان.
57
Unknown page