345

Min al-ʿaqīda ilā al-thawra (2): al-tawḥīd

من العقيدة إلى الثورة (٢): التوحيد

Genres

الله ليس أعمى: وتعني أن الإنسان يعتبر العمى عيبا ونقصا، سواء العمى العضوي أو العمى الإرادي. ولما كان الإنسان يعيش مغتربا في العالم نازعا روحه خارجه فإنه سرعان إذا ما أراد محادثتها ومناجاتها فإنه يسقط عليها عيوبه ثم يبرئها منها كما يضحي الحبيب بنفسه من أجل محبوبه ويجعل نفسه ناقص المحامد والمحبوب كامل الأوصاف. فإذا ما عاد الإنسان إلى وعيه بذاته وبالعالم وقضى على عماه المعنوي ورأى وأبصر، فإنه لا يسقط على الله العمى بل يسقط عليه عيبا آخر لم يتخلص منه بعد. (6)

الله ليس أبكم: تعني أن الإنسان في حياته يعيش أبكم أخرس اللسان عضويا واجتماعيا لا إراديا وإراديا. وهو يعلم أن البكم العضوي إذا كان عيبا، فإن البكم الاجتماعي امتهان. ولما كانت ذاته مغتربة عن العالم مقذوفا بها خارجه يود استردادها بالكلام والحديث معها ووصفها، فإنه يسقط من نفسه صفاته. فإذا ما وجدها عيوبا فإنه سرعان ما ينفيها ويقول: «الله ليس أبكم». فإذا ما تخلص الإنسان من خرسه الاجتماعي وتكلم فإن صفة النقص تغيب عن شعوره فلا يسقطها على وعيه المقذوف خارجه، ويسقط عليه إما عيبا آخر لم يقض عليه بعد أو وصفة إيجابية حققها بجهده مع خطر المشاركة أو لم يحققها بعد وتظل مثلا أعلى لديه. (7)

الله ليس ناقصا: تعني أن الإنسان ناقص خاضع للأهواء والانفعالات، وأنه يدرك أن هذه مظاهر نقص سرعان ما يكتشف العقل حدودها وأخطاء أحكامها. ولما كان الإنسان يعيش مغتربا في العالم قائما بوعيه بالذات خارج العالم فإنه يود استعادته بالكلام فيضطر إلى وصفه فيسقط عليه من صفاته التي هي عيوب مثل النقص. وسرعان ما يدرك ذلك فينفيها عنه ويقول: «الله ليس ناقصا» لما كان النقص ضد الكمال الذي به يمتنع عليه كل العيوب والآفات وفي مقدمتها الأهواء والانفعالات. فإذا ما استطاع الإنسان القضاء على عيوبه وأصبح كاملا عاقلا غير خاضع للميل والهوى، فإنه يسقط على الله كمالاته دون عيوبه. ويكون السؤال حينئذ: هل يكمل الإنسان أم يظل جاهلا عاجزا ميتا أصما أعمى أخرس ناقصا؟ طالما أن الكمال غاية قصوى يظل الإنسان ناقصا، وبالتالي يظل الحديث عن الله في قضايا سالبة مستمرا وأن يتوقف إلا بتوقف مظاهر النقص الإنساني.

ويمكن بالمثل تحليل قضايا سالبة أخرى تستخدم فيها أوصاف الذات الست بعد قلبها إلى أضدادها ثم نفيها كمحمولات بنفس الطريقة على النحو الآتي: (1)

الله ليس معدوما: تعني أن الإنسان يشعر بأنه عدم وبأنه وجد من عدم ويعود إلى عدم وأن وجوده عدم نظرا لأنه يمرض ويموت. وهذه كلها مظاهر نقص، آفات وعيوب. ولما كان الإنسان يعيش مغتربا في العالم، يقتطع جوهره ولبه ويقذف به خارجا ثم يحاول بعد ذلك استرداده واستيعابه بالكلام بعد أن طرده بالفعل فيحادثه ويناجيه ويصفه، ويسقط عليه مظاهر عدمه. ولكن سرعان ما يفيق فينفيها ويقول: «الله ليس معدوما.» وفي اللحظة التي يصبح فيها وجود الإنسان ثابتا مقررا قائما على وجود وليس على عدم أو التي يصبح فيها العدم مظهر كمال للإنسان لأنه يكون دافعا على الوجود والبقاء، فإن هذا الوصف لن يسقط ولن ينفى. (2)

الله ليس حادثا: تعني أن الإنسان حادث، تجري عليه الحوادث، وتعرض له نوائب الدهر، ويتعرض لنوازل الزمان. يمرض ويصح، يحزن ويفرح، يفشل وينجح، وهي كلها مظاهر نقص يتبرأ منها. ولما كان الإنسان مغتربا في العالم فاصلا وعيه بالذات عنه ومجمدا إياه خارجه ثم عاشقا إياه متعبدا له، وأراد أن يناجيه فيحادثه ويصفه فيسقط عليه صفاته. وسرعان ما يكتشف عيوبها فينفيها في التو واللحظة ويقول: «الله ليس حادثا.» وفي الوقت الذي تنتفي فيه عيوبه ويستطيع مقاومة الحدوث والقضاء على مظاهره فإنه لن ينفيها بعد إسقاطها على نفسه المطلق ويعتبرها من كمالاته التي يثبتها له. (3)

الله ليس فانيا: وتعني أن الإنسان في هذه الدنيا فان، وأنه يموت، وأن عمره محدود في الزمان، وبأن لكل أجل كتاب. ولما كان الموت نقصا والفناء عيبا، فإنه ينزعج منه. ولما كان الإنسان يعيش مغتربا في مجتمعه فاقدا وعيه بذاته، قاذفا به خارج العالم وفي نفس الوقت يحن إليه، ويتقرب منه، ويرغب في محادثته ومناجاته فيصفه ويضطر إلى أن يصفه بما لديه من أوصاف فيسقط عليه صفات النقص مثل الفناء. وسرعان ما يدرك الأمر فينفيها عنه ويقول: «الله ليس فانيا.» وفي الوقت الذي لا يكون فيه الفناء مظهر نقص، بل مظهر كمال، فإن الإنسان لن يصف نفسه بأنه ليس فانيا . بالرغم من أن الإنسان فان إلا أنه قادر على البقاء بعمله وفكره وبالتالي لن يسقط عيبه الكامل على نفسه المطلق. (4)

الله ليس مشابها للحوادث: تعني أن الإنسان مشابه للحوادث. فهو مرئي وجسم، جوهر وعرض، له طول وعرض، يتحرك ويسكن، وهي كلها مظاهر نقص. ولما كان الإنسان يعيش مغتربا بوعيه خارج العالم محجرا إياه بعيدا عنه وأراد أن يحادثه ويناجيه فيصفه بما لديه وهو المشابهة للحوادث. ولكن سرعان ما يكتشف أنه لا يستطيع أن يصف وعيه، وهو أغلى ما لديه، بحدوثه ونقصه، وهو أسوأ ما لديه فينفيه ويقول: «الله ليس مشابها للحوادث.» وفي الوقت الذي يصبح فيه الحدوث مظهرا من مظاهر الكمال فالإنسان يتحرك ويسكن، ويصح ويمرض، ولكنه يحمل أمانة ورسالة قادرا على تحقيقها فإنه لن ينفي الحدوث عن الله. (5)

الله ليس في محل: تعني أن الإنسان في هذا العالم موجود باستمرار في محل؛ أي في مكان وزمان، محدد الحركة والانتشار. والمحل نقص لأن الرؤية فيه محدودة. ولما كان الإنسان مغتربا في العالم قاذفا بوعيه بذاته خارج العالم في دائرة ضوء مركزة ويريد أن يصفها ويتغنى بجمالها فلا يجد أمامه إلا أن ينفي عنها مظاهر نقصه وعيبه ويقول: «الله ليس في محل.» وفي الوقت الذي يقدر فيه الإنسان على أن يتجاوز حدود المكان وأن يتجاوز الرؤية المحددة فإنه لن ينفي عن الله صفة النقص هذه. (6)

الله ليس متعددا: وهذا يعني أن الإنسان متعدد الجوانب والقوى وأنه متكثر. فهناك بشر عديدون، أقوام وأجناس، وهي كلها من مظاهر التشتيت والتشرذم والحرب والصدام والتقاتل والصراع. ولما كان الإنسان يعيش مغتربا في العالم، قاذفا بوعيه خارجا عنه، متحجرا جامدا متقوقعا، وأراد أن يتصل به وأن يناجيه ويسأله ويصفه فينفي عنه مظاهر نقصه وعيبه، وهو التعدد والتكاثر فيقول: «الله ليس متعددا.» وفي الوقت الذي يصبح فيه التعدد ميزة والتكثر فضيلة من خلال وجهات النظر المتعددة المتحاورة فإنه لن ينفي عن الله حينئذ صفة التعدد هذه.

Unknown page