Min Caqida Ila Thawra Tawhid
من العقيدة إلى الثورة (٢): التوحيد
Genres
إبطال جميع أطراف القسمة إلا واحدا: وأحيانا يضع العقل قسم في أطراف عدة تبطل جميعا ولا يبقى إلا طرف واحد هو المطلوب إثباته. وهو معروف في أصول الفقه باسم السبر والتقسيم.
24
وهو نفس النمط السابق ولكن النقيض هنا متعدد وليس واحدا. وعيبه أن القسمة قد لا تكون جامعة مانعة. فقد يدخل طرفان تحت قسم واحد. وقد يند أحد جوانب الشيء خارج القسمة. كما أنه يصعب تغليف الواقع أحيانا في قسمة عقلية. فالواقع واحد ومختلط ممتزج متحرك يعكس القسمة العقلية الثابتة المنفصلة. (3-2) منطق التصديق
وهناك عدة أنماط فكرية أخرى لا تتعدى كونها مجرد تحصيل حاصل لأنها قد لا تفيد جديدا. ولا يعني تحصيل الحاصل هنا ما يقال عادة على قضايا الرياضة، وجميع القضايا التحليلية، ولكن تعني أنها لا تقول شيئا على الإطلاق. فهي قضايا مفيدة لغويا بمعنى أن بناءها اللغوي سليم، ولكنها لا تفيد شيئا معنويا. فمنطق التصديق هنا هو إثبات الشيء لنفسه ليس من أجل التصديق به بل من أجل اتساقه مع نفسه وعرضه على نحو يقبله العقل دون أن يكون منطقا للبرهان يحتوي على مقاييس للصدق خارج عن الشيء نفسه. ويمنك حصر هذه الأنماط فيما يلي: (1)
إثبات النقيضين: ويهدف إثبات النقيضين إلى الرغبة في احتواء الطرفين دون فصل بينهما، واختيار أحدهما ورفض الآخر. فليس أحد الطرفين بأولى من الآخر. وكل طرف له ما يؤيده وما يعارضه في عواطف التأليه. لذلك كان من الأحكم إثبات النقيضين دون البحث عن علاقة النقيضين لأن البحث يتضمن تحكيم العقل، والعقل يفصل ويحسم ويختبر، وهو ما لا تريده عواطف التأليه التي تريد حسم كل شيء واحتواء كل شيء. وما أعظم التعبير من خلال التناقض! ما أعظم أن يكون المؤله قريبا بعيدا، في كل مكان ومستو على العرش، وأن يكون القرآن محدثا غير مخلق! وينطبق على العبارة المشهورة المستند إلى آية:
ليس كمثله شيء وهو السميع البصير
نفس القياس. فهي تثبت النقيضين لأن الذي ليس كمثله شيء لا يكون سميعا بصيرا، فالسمع والبصر أشياء. والسميع والبصير لا يكون ليس كمثله شيء لأن الذي ليس كمثله شيء لا يكون له سمع وبصر. فهي عبارة تثبت التنزيه في الجزء الأول منها كما تثبت التشبيه في الجزء الثاني منها. إنها الحيطة الإنسانية التي تود الإمساك بالطرفين حتى ولو استحال التوفيق بينهما عقليا، والعبارات قادرة على مثل ذلك مثلا: إنه ليس غبيا ولكنه ذكيا، ليس شجاعا ولكنه ليس جبانا، ليس مجتهدا ولكنه ليس مقلدا. وهي عبارات تدل على التشجيع أو الخوف من إصدار حكم أو التملق أو الرغبة في المساومة. وأحيانا تهدف إلى تعميق الواقع وتخفيف الحكم عليه. فهي عبارات لا تدل على معنى بل تكشف عن عمليات شعورية وراء هذه الصياغات، وهو شائع في الحلول المتوسطة وفي الاتجاهات التي تجمع يبن الحلين المتعارضين. ويبدو ذلك أيضا في خطابنا المعاصر في حياتنا القومية، مثل: نحن لم ننتصر ولكننا أيضا لم ننهزم.
25 (2)
نفي النقيضين: وهو مجرد قلب لإثبات النقيضين. ويفيد رفض الطرفين والحلين المتعارضين الذين يقتضي العقل الاختيار بينهما. فنفي كليهما يعني رفض الحلول العقلية واللجوء إلى عواطف التأليه الخام خشية أن تقل أو أن تهن. فمثلا عبارة: «الصفات لا هي هو ولا هي غيره» تحصيل حاصل، تضع الفاعل في جملة مفعولا في الأخرى، وتضع مفعول الأخرى فاعلا في الأولى. فالاختيار الأول يوقع في الشرك والاختيار الثاني يوقع في الخلق. وكلاهما حلان لا ترضى عنهما عواطف التأليه. كذلك مثل عبارة: «لا يشبه غيره ولا يشبهه غيره»، فإنها لا تعبر عن معنى عقلي بل عن عملية شعورية صرفة القصد منها عدة أشياء: أولا: الرغبة في إثبات شيء فريد غير عادي لا يمكن وصفه أو التعبير عنه، إذ إن كل الحلول العقلية أقل منه. وهنا تكون عواطف التأليه أزمة نفسية لا يمكن التعبير عنها في صياغة عقلية لها معنى. ثانيا: التعبير عن صراع الشعور طرفي التنزيه والتشبيه، فهو نفي للشبه وللمساواة التماثل داخل التجسيم، ونفي للصورية المطلقة داخل التنزيه. ثالثا: العجز عن قول شيء موجب لأنه لا يوجد ما يقال. فهي أزمة انفعالية تعبر عن نفسها في هذه الصورة اللغوية. رابعا: الإيحاء بالسر والغموض، وهو البديل عن الوضوح والتعبير السليم، وطالما كان السر أحد مغريات الفكر الديني. خامسا: العجز عن أخذ المواقف ومحاولة مسك العصا من الوسط نقصا في الشجاعة وتخوف من الحسم.
26 (3)
Unknown page