Min Caqida Ila Thawra Tawhid
من العقيدة إلى الثورة (٢): التوحيد
Genres
107
لا يمكن الحديث عن الله إذن إلا عن طريق التشبيه والتقريب، ولا يمكن الادعاء بأن الحديث عن الله مطابق لحقيقة الله. وقد استعمل القدماء في إثبات ذلك حججا نقلية عديدة مثل: «كل ما خطر ببالك فالله خلاف ذلك»، وغيرها كثير من الكتاب والسنة والأثر، أو حججا عقلية تقوم على التفرقة بين الجوهر والأعراض. لا يمكن معرفة «الله» كجوهر، ولكن يمكن معرفة أعراض الجوهر أو تجلياته في العالم. وبلغة صوفية، لا يمكن معرفة «الله» بل يمكن فقط الاستدلال عليه من آياته في الكون.
108
ولا يقال إن «الله» ماهية لا يعلمها إلا هو، فذلك تحصيل حاصل؛ لأننا نتحدث هنا عن ماهية يمكن معرفتها، ونعلمها نحن.
109
فالوجود هو معرفتنا به، والشيء إدراكنا له، فالمعرفة شرط الوجود، والإدراك إثبات للشيء. ولا يعني ذلك أن «الله» سر لا يمكن معرفته كما هو الحال في المسيحية، سر لا حيلة للإنسان أمامه إلا الإيمان به؛ لأن «الله» مبدأ معرفي، ووظيفة ذهنية تجعل الإنسان قادرا على المعرفة وليس عاجزا عنها. «الله» باعتباره تعاليا يجعل الذهن في بحث مستمر عن الخالص والصوري، ويحميه من الوقوع في القطعية والمذهبية، أي في التوحيد بين اللفظ والمعنى، بين العبارة والدلالة، بين الصياغة والفكرة، بين الخطاب الديني والموضوع الديني. كما أنه مبدأ أنطولوجي يكشف عن الوجود كمطلب ويضع واجب الوجود كمقتضى في مقابل العدم، فالوجود هو الأساس والعدم طارئ عليه. وهو أيضا مبدأ أخلاقي يعبر عن تمثل الإنسان لمثل أعلى عاملا على تحقيقه، وكما عبر الأصوليون القدماء عن ذلك في وضع الشريعة للامتثال ووضعها للتكليف.
110
وهو مبدأ جمالي فني يجعل الإنسان قادرا بالصوت على إدراك العلم وجماليات اللغة التي تكشف عن المعاني وتحيل إلى الأشياء. وهو مبدأ اجتماعي يظهر في نظام اجتماعي وفي تكوين أمة. وهو قانون تاريخي يظهر من خلال مسار التاريخ وحركته. فبالرغم من أنه لا يمكن معرفته إلا أنه موجود كمبدأ عام، وظيفة معرفية، أو حقيقة أنطولوجية، أو قيمة أخلاقية، أو نظاما اجتماعيا أو قانونا تاريخيا. بالرغم من أنه لا يمكن معرفته ك «إله» إلا أنه يمكن التحقق من وجوده في الحياة الإنسانية الفردية والاجتماعية.
111
وهذا هو ما قصده القدماء بأن ما يعرف منه أعراض كالوجود أو سلوب بنفي التشبيه أو إضافات ونسبة. يعرف وجودا وليس كمعرفة، وهو خالص لا تشبيه فيه لأنه يعبر عن الوعي الخالص. ومع ذلك يشار إليه عن طريق التقريب واللغة والمشاركة، فلا يعرف إلا بالنسبة والإضافة ولا يعبر عنه إلا باستعارة الأسماء، ومن ثم يظهر قياس الغائب على الشاهد في التصور واللغة على السواء، كل الصفات إذن إما معلومة أو تقريبية. المعلوم هو الوجود وكيفياته، مثل الأزلية والأبدية، أي هناك واجب الوجود قديم وباق ثم صفات السلوب وهي نفي لا إثبات. أما صفات المعاني فهي إضافية أي بالنسبة إلى شيء آخر، تقريبية توضيحية. وبالتالي لا يكون عند البشر معرفة كنه «الله».
Unknown page