Min Caqida Ila Thawra Tawhid
من العقيدة إلى الثورة (٢): التوحيد
Genres
فالإنسان لا يسمي واقعه مثاله، ولا يسمي حقيقته خياله. فالاغتراب الديني يقوم أساسا على هذا الفصل بين الواقع والمثال، بين الحقيقة والوهم. كذلك يستحيل قلب الأسماء ما دام الأمر كله مواضعات؛ لأن وضع الأسماء ضرورة يفرضها الواقع النفسي والاجتماعي للأفراد والجماعات. لا يجوز أن يسمي الله نفسه شرعا أو يسميه الإنسان عقلا جاهلا بدلا من تسميته عالما. فاللغة لا تخضع لتغيير أو تبديل في معانيه إلى هذا الحد، حد القلب من الضد إلى الضد إلا إذا تغير استعمال الألفاظ بناء على تطور المجتمع واختلاف العصور وتوالي الأجيال وليس بإرادة فردية أو جماعية. بل إن نفي الاسم المضاد جزء من الاسم قياسا على الأوصاف والصفات. فالله موجود وليس عدما، قديم وليس حادثا، باق وليس فانيا، عالم وليس جاهلا، قادر وليس عجزا، حي وليس ميتا ... إلخ، فكيف يتحول الاسم إلى ضده عن طريق قلب اللغة؟
25
لذلك تجز اشتقاق الأسماء وإضافة أسماء لغوية تعبر عن نفس القصد وهو التعظيم والإجلال وفي نفس الاتجاه وهو التعالي. هذه الأسماء إما مذكورة في النقل أو يدل عليها العقل، وهي في حقيقة الأمر تعبر عن عمليات شعورية يقوم بها الإنسان من أجل سد حاجاته وتكيفه مع الواقع عن طريق العواطف والانفعالات لا عن طريق العقل، وبالحلم والخيال والتمني والوهم لا بالفعل وفي الواقع وبالتحقيق وبالجهد. ويمكن وصف عمليات الشعور التي تحدث في كل صفة أو اسم في ثلاث خطوات: الأولى وجود واقع بصفات معينة مضادة للطبيعة البشرية، الثانية عجز الإنسان عن تغيير هذا الواقع في الحياة العملية، الثالثة التعويض عن هذا العجز بتأليه ما عجز الإنسان عن تحقيقه وتشخيصه في ذات أو الاكتفاء بتشخيصه في فعل. ومن ثم يتحول العمل إلى نظر، ويتحول النظر إلى تشخيص كتحقيق منحرف له أو يتحول النظر إلى موقف صوفي خالص، ويصبح التأمل في هذه الحالة عجزا عن الفعل، فالفعل على ما قال القدماء المعاصرون لقدمائنا ضعف في التأمل. إذا كانت الأسماء تعبيرا عن عمليات شعورية فيمكن استخراجها عن طريق القياس الشعوري، أي التعبير بشتى الألفاظ عن نفس الموقف النفسي الاجتماعي لأداء نفس الوظيفة الشعورية، ولا مشاحة في الألفاظ كما قال القدماء.
26
والحقيقة أنه لا يوجد لفظ شرعي وآخر لا شرعي، بل هناك ألفاظ أكثر قدرة على التعبير عن الموقف الديني من غيرها طبقا لإحساسات المتدين أو لأذهان المتكلمين أو للحساسيات المرهفة للحكماء.
27
يقوم القياس الشعوري على الإحساس المرهف بالتنزيه، فيقال له مثلا رحيم ولا يقال شفيق. والحقيقة أن المعنى واحد، والفرق في الحساسية بالنسبة للألفاظ، وهي حساسية شعرية خالصة. ومن ثم إجابة على سؤال: هل الصفات أو الأسماء تعرف بالتوقيف أم بالقياس؟ هل مصدرها النقل أم العقل؟ فالحقيقة أن الصفات لم تأت من هذا ولا من ذاك أساسا، بل هي شعور الإنسان بصفاته ثم دفعها إلى حد الإطلاق. فالنقل لم يخبر إلا عن بناء الإنسان والعقل لم يحلل إلا تجربة بشرية. وبالتالي يجوز تسمية الله قبل أن يأتي السمع بالعقل فقط ما دام الأمر وظيفة شعورية في التعظيم والإجلال. ولماذا التوقف عن فعل دون فعل آخر؟
28
لذلك يتدخل المجاز في التسمية. فكل الأسماء مجاز، أي أنها تقال في الإنسان على الحقيقة وتطلق على الله مجازا طبقا لقياس الغائب على الشاهد. وتدخل في ذلك الأسماء العقلية مثل حاكم وعادل والعبارات التشبيهية مثل نور السموات والأرض.
29
Unknown page