261

Min Caqida Ila Thawra Tawhid

من العقيدة إلى الثورة (٢): التوحيد

Genres

ويشمل مبحث الكلام عدة موضوعات، إثبات الكلام أو نفيه، قدمه وحدوثه (مشكلة خلق القرآن)، ثم وصف مراحل الكلام ابتداء من السمع والبصر حتى الرؤية والتحقق مارا بالحفظ والأداء ثم صيغ الكلام (وحدته وكثرته).

158

ولكن ما هو تعريف الكلام؟ يتراوح تعريف القدماء بين الكلام كأصوات وحروف مسموعة أو مقروءة، أي الكلام الحسي، وبين الكلام كمعنى، أي الكلام النفسي. وينشأ الخلاف في الكلام الحسي، أي الأصوات والحروف، هل هي قائمة بذات الله أم قائمة بغيره في الهواء أو على الألواح؟ كما ينشأ الخلاف في الكلام النفسي هل هو قائم بذات الله، أي بنفسه، أم أنه معنى قائم بنفس الإنسان المستمع أو القارئ؟ فلا خلاف عند القدماء على كونه متكلما ولكن الخلاف في معنى كلامه.

وحجة الكلام الحسي أن الكلام أصوات دالة على معان مخصوصة في أجسام مخصوصة، الكلام أصوات وحروف يخلقها الله في غيره كاللوح المحفوظ أو جبريل أو النبي. وهنا يبرز سؤال: وهل اللوح المحفوظ أو جبريل موضوعان حسيان يظهر فيهما الكلام كما يظهر على لسان النبي وبصوته؟ كما يبرز سؤال آخر: هل الكلام أصوات وحروف فحسب؟ ألا تدل الحروف والأصوات على معنى وبالتالي يكون الكلام لفظا ومعنى؟ وبالتالي يسهل اتهام الكلام الصوتي فحسب بأنه تعطيل للمعنى أو تجسيم له. ولكن السؤال الأهم: إذا كان الكلام هو الأصوات والحروف، فكيف يقومان بذات الله القديم؟ بل قيل إن الجلد والغلاف قديمان! الرغبة في عدم التضحية بالنظرة الحسية والتمسك بالعقيدة الإيمانية في آن واحد حاصرت العقل فلم يعط أي تأسيس لهذا الجمع بين الكلام الحسي والصفة القديمة، بين الكلام المتكثر والكلام الواحد.

159

وحجة الكلام النفسي أن الكلام صفة غير الحروف والأصوات؛ لأنها تفيد معاني وضعا أو اصطلاحا. هو الكلام القائم بالنفس، معاني حقيقية قائمة بها، والعبارات مجرد تعبيرات مختلفة ومتغيرة.

160

وهو كلام واحد ينقسم إلى أمر، ونهي، واستفهام، وخبر، ونداء، أي خمس صيغ حسب التعلق. يمتنع عليه الكذب اتفاقا إما لأنه قبيح والله لا يفعل القبيح، ولأنه مناف لمصلحة العالم والأصلح واجب عليه، أو لأنه نقص والنقص محال على الله، أو لأنه لو اتصف بالكذب لكان كذبه قديما، فيمتنع عليه الصدق، أو لأنه خبر النبي الذي يعلم صدقه بالمعجزة وليس بالكلام حتى لا نقع في الدور. والحقيقة أن صدق الكلام يكون إما من حيث الصحة التاريخية وهو موضوع النقد التاريخي وعلوم الرواية ومصطلح الحديث أو من حيث الفهم، ويكون ذلك عن طريق قواعد اللغة وأسباب النزول أو من حيث التحقق الفعلي كنظام للعالم، ويكون ذلك من خلال الفعل للأفراد وللجماعات في التاريخ. فلا يرجع صدق الكلام إلى صدق الذات بحسب كمالها، فذاك صدق علوي مفارق، بل يرجع إلى ضبط الإنسان له بمناهجه في النقل وبقواعده في التفسير وبأفعاله في السلوك. ولكن تبدو الصعوبة في تصور الكلام النفسي صفة للذات الإلهية وليس معنى في الشعور الإنساني. إذ كيف يكون هذا الكلام مغايرا للعلم والإرادة، بل قد يخالفهما، فقد أمر الله أبا لهب بالإيمان (الكلام في صيغة الأمع) مع علمه بأنه لا يؤمن، وامتناع إرادته عما يخالف علمه محال؟ لذلك آثر الحكماء الحديث عن الكلام الإنساني لفظا ومعنى، الحسي والمعنوي. والحجة أنه لو كان للباري كلام فإما أن يكون من جنس كلام البشر أو لا يكون. والأول إما أن يكون لسانيا وهو تشبيه أو نفسانيا وهو باطل نظرا لارتباط النفساني باللسان، ولأن النفس بها تفكير ووهم وخيال. كلام الله إذن ليس من كلام البشر. ولا حيلة للحديث عنه إلا قياس الغائب على الشاهد وبالتالي الانتهاء إلى الكلام كلفظ أو كمعنى أو التوقف والتسليم بالعجز عن تعريف الكلام وهو ما يناقض نظرية العلم؛ لأن الجهل من مضادات العلم.

161 (6-1) الإثبات والنفي

وهي قضية تتعلق بإثبات الصفات ونفيها. فالباري متكلم بكلام ليس من جنس الأصوات والحروف، صفة منافية للسكون والآفة، تكلم الله بها، آمرا، ناهيا، مخبرا. والدليل على ذلك إما النقل والتواتر والإجماع وأما العقل. والنقل كثير ولكنه ظني، معارض بنقل آخر، ويمكن تأويله لإثبات الضد. كما أنه دور؛ لأن النقل نفسه كلام في حاجة إلى إثبات، ولا يثبت إلا بعد إثبات النبوة.

Unknown page