188

Min Caqida Ila Thawra Tawhid

من العقيدة إلى الثورة (٢): التوحيد

Genres

38

ووصف الوحدانية موجه إلى الثنوية وإلى التثليث وإلى تعدد الآلهة، وكلها مظاهر للشرك. وهو موجه أساسا ضد الثنوية دون التثليث أو تعدد الآلهة لما دخلت عقائد النصارى في المخالفة في الحوادث ونفي الشبه. أما تعدد الآلهة فلم يكن عند القدماء في الحضارات القديمة المعروفة في الوعي الحضاري التاريخي إلا عبادة الأصنام والأوثان والشرك بوجه عام. كما أن التثليث وتعدد الآلهة يردان إلى الثنوية، وهي أولى مظاهر التعدد. كان ممثل الوثنية في الديانات القديمة الثنوية والمجوسية، ولكن الخطر الأعظم كان من الثنوية، فالمجوسية نوع من الثنوية. لذلك كان النقد كله موجها إلى الثنوية على أنها عقيدة مضادة للوحدانية.

ويغلب على هذا الوصف السادس: الوحدانية، تاريخ الفرق والديانات التي تقوم على الثنوية مما جعل علم أصول الدين يبدو وكأنه علم تاريخ أديان أو علم مقارن للديانات.

39

وتجمع فرق الثنوية كلها بنية واحدة تقوم على القول بصانعين قديمين، أحدهما نور والآخر ظلمة، الأول فاعل للخير والمنافع والثاني فاعل للشرور والمضار، وأن الأجسام ممتزجة من النور والظلمة. النور والظلمة متنافران صعودا وهبوطا ثم يتم مزج العالم منهما، وكل واحد منهما مشتمل على أربعة طبائع: الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة، والأولان منهما مدبران، والامتزاج والخلط غير واع كأن المبدأين مجرد قوتين عمياوين.

40

وفي حقيقة الأمر أن هذه الديانة التي تقوم على ثنائية مادية متعارضة الطرفين إنما هي صورة فنية تعبر عن ظروف سياسية واجتماعية، الصراع بين الحق والباطل، بين الخير والشر، بين العدل والظلم، وتظهر عند الجماعات المضطهدة، وتنتشر بينها. هذه كلها صورة وجدانية صرفة تعبر عما يكمن في وعي الأفراد والجماعات من معارك مكبوتة وآلام صارخة. فصورة الأخف والثقل تعبيرات وجدانية ومقامات صوفية. والامتزاج غير الواعي تعبير عن قوى الظلم والقهر اللاعاقلة.

41

والتفسير الوحيد الممكن لكل هذه المذاهب والعقائد هو ردها إلى بيئتها الاجتماعية التي منها نشأت وليس مواجهتها بالحجة والبرهان؛ لأنها موقف نفسي وليست موقفا عقليا. فسواء كان الامتزاج لا واعيا أم واعيا، أو كان أصلا ثالثا أم لم يكن، أو كان الأصلان جسمين قديمين فاعلين بالطبع أو بالاختيار لا يغير من فاعلية الثنوية كدين للمضطهدين وانتشاره بين جماعات الاضطهاد. وما أسهل على المنتصر من الرد عقلا على المهزوم، وما أسهل أن تحاور السلطة معارضيها داخل جدران السجون. إن الحوار الوحيد الممكن في هذه الحالة هو تغيير وضع الاضطهاد ورفع الظلم عن الجماعات المضطهدة، وبالتالي تختفي الثنوية عمليا دون الرد عليها نظريا. وما أسهل من إثبات عدم وجود الشر وأنه مجرد نقص أو درجة كمال أقل للذي لم يعان مرارة الاضطهاد وأهوال التعذيب داخل جدران السجون.

42

Unknown page