Min Caqida Ila Thawra Tawhid
من العقيدة إلى الثورة (٢): التوحيد
Genres
وقد يكون الحلول نفسيا خالصا نتيجة لإحساس الفرد بالرسالة ووهب حياته لها والتزامه بمبادئها حتى ليشعر أنه قد اتحد بالغاية فيقول الوطني «أنا مصر» أو الفنان «أنا الفن» أو الشاعر «أنا الشعر» أو الصوفي «أنا الحق».
69
وذلك يتم عن طريق الإخلاص التام والتطهر المطلق والتضحية حتى تظهر شفافية النفس ويسقط بينها وبين موضوعها أي حجاب.
70
والطريق إلى ذلك محبة الله وإسقاط الشرائع؛ لذلك سمى الصوفية «أهل الإباحة» كرد فعل على كراهية العالم وظلم قوانين البشر ونفاق الشعائر والعبادات المظهرية. وفي حقيقة الأمر قد يؤدي الإحساس بالعجز وحده دون الإحساس بالاضطهاد إلى عملية التأليه كما حدث في التصوف الذي نشأ في ظروف مشابهة تقريبا لنشأة التشيع، مما يجعل البعض يوحد بين التشيع والتصوف. كلاهما انتهى إلى أن يصبح حركة مقاومة سلبية ضد النظام القائم وانقلابا روحيا فرديا إلى الداخل بعد أن استعصى مقاومة الخارج بالفعل، بعد أن استشهد أئمة آل البيت كما استشهد كبار الصحابة في مقاومة الظلم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. التشيع حركة مقاومة شيعية والتصوف حركة مقاومة سنية. فكل من الإمام والصوفي لديه إحساس بالرسالة والدعوة لتحقيق الوعي من جديد كنظام مثالي للعالم بعد أن ضاعت فيه الرسالة، وأصبح العالم مسيرا بطبيعة أحادية الطرف. فالصوفي هو الإنسان الذين ما زالت الرسالة ظاهرة فيه وإن انحسرت عن العالم وضاعت من مجتمعه، وهو نفس الإحساس الذي لدى الإمام. وعند الصوفي إحساس بالعجز أمام القوى المادية وأنظمة الحكم. ونظرا لغياب أية محاولة لتحقيق الرسالة علميا بمعنى تكوين حزب أو جماعة سرية لمناهضة هذه القوى المادية ونظم الحكم القائمة وتجنيد الجماهير من أجل تمثل الأفكار الجديدة والعمل على تحقيقها اقتصر جهد الصوفي على الدعوة الفردية لبعض الأفراد وتكوين جماعات صغيرة منعزلة تقتصر على التربية الروحية، وتحول الدعوة شيئا فشيئا من دعوة عامة إلى دعوة خاصة ومن دعوة سياسية إلى دعوة أخلاقية، ومن العمل في العالم إلى الخروج منه. وهو ما حدث للتشيع أيضا من انغلاقه على نفسه، وتكوين جماعات سرية تعبر عن نفسها في التأويلات الباطنية والإغراق في الروحانيات. ولما كان الإحساس بالرسالة قويا، يزداد يوما بعد يوم بفضل التربية، ولما كان الإحساس أيضا بالعجز قويا يزداد يوما بعد يوم بفضل العزلة، تحولت الطاقة الإنسانية لها إلى أعلى وليس إلى الأمام، فصعدت الروح إلى أعلى بدل أن تسير في التاريخ إلى الأمام، فيشعر الصوفي أنه قد اتحد بغايته القصوى وأن رسالته قد تحققت بالفعل، في حين أن هذا التحقق قد حدث بطرقة منحرفة، إذ إنها تتحقق في الخيال وفي الشعور وليس في الواقع وفي العالم الخارجي، وهو وقوع في النرجسية الخالصة كنوع من الاكتفاء الذاتي والرضا عن النفس. كما أنها تتحقق بطريقة فردية في شخص الصوفي وليس على نحو جماعي في التاريخ، في جماعة وفي حركة تاريخية عامة. وهي تحقق إلى أعلى وليس إلى الأمام، فقد أصبحت الغاية متعالية وليست غاية في التاريخ، وما أسهل من تحقيق الفكر الطوباوي في الأذهان. (3-3) الاتحاد عند النصارى
ومع رفض الحلول يرفض الجوهر ومعه أقانيم النصارى بعد رفض الثنوية وذكر الأوصاف والصفات.
71
ثم يفصل التنزيه عن الاتحاد والحلول بعد إثبات القدم والبقاء والوجود والشيء ونفي الجسم والجوهر والتنزيه عن المكان والجهة والحيز.
72
كما يظهر نفي الحلول بعد نفي الجسمية وإثبات مخالفة ماهية الذات وعدم مشاركتها للذوات الأخرى ونفي تركيبها.
Unknown page