Min Caqida Ila Thawra Nubuwwa
من العقيدة إلى الثورة (٤): النبوة – المعاد
Genres
40
ولا يعني العقل أي تفضيل للنظر على العلم أو للتأمل على الفعل؛ فالعقل نظري وعملي، تأملي وفعلي. العقل النظري هو الباحث والسائل والموضح والكاشف، والعقل العملي يوجه نتائج العقل النظري إلى الحياة العملية. وكل مسألة نظرية لا ينتج عنها أثر عملي فخارجة عن علم الأصول.
العقل ليس شبهة يبدأ بها تاريخ العالم. وكيف يبدأ تاريخ العالم كله بشبهة العقل؟ هل لأن اللعين الأول قاس واستدل؟ وعلى هذا النحو يكون الفكر الإنساني الآن عودا إلى الشبهة الأولى أو تكرارا لها في شبهة ثانية، ويكون العقل الإنساني هو استمرارا لعقل الشيطان! فقد نشأت الشبهات في آخر الخليقة بتحكيم العقل أيضا؛ لأن العقل يخلط بين المستويات منذ أول الخليقة! فهل نشأت الشبهات في أول الخليقة بتحكيم العقل؟ هل تاريخ الحضارة الإنسانية هو تاريخ الضياع والضلال؟ إن العقل هو وسيلة درء الشبهات، وتوضيح اللبس، وإحكام المتشابهات، والتمييز بين المستويات.
41
هناك القياس الجلي الذي يكون الفرع فيه أولى بالحكم من الأصل، وهناك القياس الذي فرعه من معنى أصله دون أن يكون أحدهما أولى من الآخر، وهناك القياس بغلبة الأشباه والترجيحات. هناك قياس العلة، وقياس الدلالة وقياس الشبه. كل ذلك من أجل دقة المعنى والوصف، وليس من أجل الاشتباه. إن قياس إبليس طلب للعلة، وطلب العلة إحكام الظواهر وإدراكها في علاقتها بالمعلول. طلب العلة هو البحث عن السبب من أجل سيطرة الإنسان على قوانين الطبيعة والتنبؤ بمسارها.
42
خطأ إبليس ليس في القياس الصحيح، بل في القياس الخاطئ في خلطه بين الكم والكيف، بين الجبر والحرية؛ فالنار ولو أنها أفضل من الطين إلا أن الطين بفعل الروح بها كيف؛ وبالتالي فهي أغنى وأقدر. وقد يكون الطين أي الأرض أقيم عند شعب محتل، حياته الأرض، وكرامته في الأرض، في حين أن النار في الأرض، والشمس غالبا عليها، ومعروفة ديانات الشرق من قبل. ليس الخطأ في القياس في ذاته؛ أي في صورته، بل في مادته وأهدافه ونواياه واستخداماته وتطبيقاته، ولقد قاس إبراهيم ووصل إلى الحق؛ فالقياس لا يؤدي إلى الباطل ضرورة. ليس القياس محاجة وجدلا بالضرورة، بل قد يكون برهانا ويقينا. ولماذا احتقار الذات، وإدانة النفس، واتهام العقل، واستصغار الإنسان لنفسه؟
43
والحقيقة أن كل مصادر الشريعة الأربعة مرتكزة على المصدر الرابع وهو الاجتهاد، قد يصيب وقد يخطئ؛ لذلك وضعت شروط للاجتهاد حتى يكون احتمال الصواب أرجح من احتمال الخطأ.
44
Unknown page