Min Caqida Ila Thawra Nubuwwa
من العقيدة إلى الثورة (٤): النبوة – المعاد
Genres
فإذا كان العذاب للعصاة، فإن النعيم يكون للمؤمنين؛ فالعذاب للمؤمنين الفاسقين العصاة والكافرين على حد سواء. فإذا كان كافرا يدوم عذابه إلى يوم القيامة، ولا يرفع عنه إلا يوم الجمعة أو ليلتها، وفي شهر رمضان لحرمة النبي، فلا يعذب أحد كافرا أو مؤمنا لحرمته. وإن كان مؤمنا عاصيا ينقطع عنه العذاب يوم الجمعة وليلتها وشهر رمضان، ثم لا يعاوده العذاب إلى يوم القيامة. وكأن العذاب له يدوم لمدة سنة واحدة ثم ينقطع! وإن كان مؤمنا مطيعا تكون له ضغطة خفيفة تذكره بهول الموقف؛ لما تنعم بنعم الله ولم يشكر. وكأن العذاب قادم قادم، والألم وارد وارد عند الجميع، لا فرق بين مؤمن وكافر، ولا فرق بين مؤمن عاص ومؤمن مطيع .
31
وقد يرفع العذاب عن المؤمن العاصي بدعاء أو بصدقة؛ أي بفعل الآخر، وليس بفعله هو، وهو ما يناقض قانون الاستحقاق. وهل الصدقة وهي فعل، مثل الدعاء وهو مجرد قول؟ أليست الصدقة عطاء والدعاء شحاذة؟ أليست الصدقة صورة ومضمونا وتقوى وشيئا، في حين أن الدعاء صورة بلا مضمون، تقوى فارغة بلا شيء؟ العذاب إذن نوعان: دائم للكفار والعصاة، ومنقطع لبعض العصاة بدعاء أو صدقة. ويكون دور الآخر هو رفع العذاب عن الذات بدعاء وهو مجرد قول، أو بصدقة وهو فعل؛ وبالتالي فهو أفضل. قد يعني ذلك استمرار إمكانية تغير مستقبل الميت بفعل الآخر، كاستمرار فعل الميت في حياة الآخرين. قد تكون هذه دلالة على الترابط الاجتماعي، وقد تكون دلالة على استمرار الأمل لتخفيف العقاب؛ إيثارا للعفو على العقاب، وللرحمة على العدل. فلا نهاية لإمكانية الإنقاذ، ولا مكان لليأس؛ فإنه لا ييئس من روح الله إلا القوم الكافرون. ولا يعني الإيمان في هذه الحالة إلا الأمل المستمر بلا حدود.
عذاب القبر إذن تصور شعبي للظلام والهواء الراكد الساكن والرائحة العفنة والوحدة والعزلة والوحشة، يعبر عن تجربة إنسانية فعلية في الشاهد يسقطها الإنسان على الغائب؛ فلا يعرف الموت إلا قياسا على الحياة. إن إثبات عذاب القبر كواقعة شيئية تسبب رد فعل في إنكاره أيضا كواقعة شيئية. وإذا قام الإثبات على الرواية والسمع، فإن الإنكار يقوم على المعارض العقلي، والعقل في النهاية أساس النقل. فالميت لا حياة له؛ وبالتالي لا تعذيب له، ولم ير أحد عذاب القبر، أو آثار التعذيب على جثة إذا ما فتح القبر، ولم تسمع أصوات الأنين أو تأوهات الألم. وأين يقع العذاب إذا ما تحولت الجثة إلى عظام بالية، أو تقطعت إلى أجزاء في أجواف السباع وحواصل الطيور وأقاصي التخوم ومدارج الرياح؟
32
وبين الإثبات والنفي للواقعة الشيئية، هناك إثبات الدلالة التي لا يمكن نفيها؛ فالعذاب هو شعور الإنسان بالفعل القبيح وتأنيب الضمير، والنعيم هو شعور الإنسان بالرضا وبأداء الرسالة. العذاب والنعيم يشيران إلى تجربة الإنسان في النقص والكمال، في الفشل والنجاح، في الإحباط والتحقق؛ ومن ثم يجد المتكلمون حقائقهم في تأملات الحكماء.
33
سابعا: المعاد
بعد حياة القبر بكل ما فيه من عودة الأرواح إلى الأجساد، وسؤال الملكين، وعذاب القبر، هل ترجع الأموات إلى الدنيا أم تموت من جديد ثم تعود إلى الآخرة؟ وإذا عادت إلى الدنيا، هل تعود كلها عامة وخاصة، شعوبا وقادة، أم لا يعود إلا الأئمة؟ وأين تذهب الأرواح بعد أن تنتهي حياة القبر؟ هل تعود إلى الدنيا وتتناسخ في أبدان أخرى، أم ترفع إلى مكانها ومستقرها؟ وأين هو هذا المكان أو المستقر؟ ومتى يبدأ المعاد وكيف؟ هل هو معاد جسماني يقوم على إمكانية إعادة المعدوم لما كان العدم شيئا، أم هو معاد روحاني؟ وماذا يعني البعث وكيف يتم؟ كل ذلك أيضا إنما يوجد في المرحلة المتوسطة بين الدنيا والآخرة، ما بعد الدنيا وما قبل الآخرة، قبل علامات الساعة والحساب والعقاب. (1) رجعة الأموات
بعد عذاب القبر، وتحقيق الغاية من الحياة فيه بعودة الأرواح إلى الأجساد، هل ترجع الأموات إلى الدنيا فتعاقب وتثاب، أو يكون لها حياة أخرى في هذه الأرض في أجساد أخرى، وهي عقيدة التناسخ، أم تبعث الأموات من جديد بعد حياة القبر ومغادرة الأرواح للأجساد، وتبدأ أمور المعاد في الآخرة يوم قيام الساعة ليتم الحساب، الثواب أم العقاب؟ الافتراض الأول هو رجع الأموات، والثاني هو المعاد بشقيه؛ المعاد الجسماني والمعاد الروحاني. وقد تكون رجعة الأموات للعامة أو للخاصة، لعامة الناس أو لخاصة الأئمة، أو لعلي بوجه أخص، مثل عودة الإمام الغائب حتى يقاتل الدجال ويقيم العدل والقسط. فإذا مات إمام فإن جميع الأمة لا يموتون، بل يظل في كل عصر إمام حي؛ فالإمام هنا لا يحتاج إلى الرجعة، بل يظل في الأرض ليموت موتة أو موتتين.
Unknown page