Min Caqida Ila Thawra Muqaddimat
من العقيدة إلى الثورة (١): المقدمات النظرية
Genres
30
ولا يوجد عصر إلا وظهر فيه مؤلف في علم أصول الدين؛ فالتأليف فيه ضروري في كل عصر، لكل عصر مشاكله ومطالبه، وعلم التوحيد إن لم يستجب لمطالب العصر فإنه يظل متخلفا عن واقعه، فيذهب الواقع إلى أفكار ومذاهب أخرى أكثر عصرية، وينشأ الفصل بين الفكر وواقعه، وتنشأ مشكلة «التراث والتجديد» أو القديم والجديد، أو التقليد والخلق أو الإتباع والإبداع، أو الاستعراب والاستغراب، إلى آخر ما يقال بلغة عصرنا. لم يتخل الوحي من قبل عن اللحاق بالواقع، فكان به الناسخ والمنسوخ، والمكي والمدني، والعقيدة والشريعة، وظهر بأصول الفقه الاجتهاد كعامل للتطوير، وبقي أصول الدين متخلفا عن أصول الفقه؛ وبالتالي كانت مهمة «التراث والتجديد» تطبيق الاجتهاد ونقله من علم أصول الفقه إلى علم أصول الدين ، مهمة التأليف في أصول الدين إذن تحريك الهمم، وحثها على التفكير في العقيدة، فهو عمل فكري بالأصالة، يعمل في التجارب الشعورية حتى تحيا عقائد الناس، فتوجه سلوكهم توجيها نظريا بدلا عن التوجه الأحادي الطرف بالدوافع والحاجات وحدها، وترشيد سلوكهم نحو تلبية هذه الحاجات على نحو جذري ودائم، وليس عن طريق الحقن المسكنة، والحلول الوقتية والترغيب تارة والترهيب تارة أخرى.
31
مهمة «التراث والتجديد» الشرح والتلخيص، الزيادة والنقصان، زيادة مادة لم يلتفت إليها القدماء مثل المعاني القرآنية للألفاظ الكلامية، مثل: تنزيه، تشبيه، تجسيم، آخرة، دنيا، وعد، وعيد، نقل، عقل، إمامة، خلافة، إيمان، عمل. وكذلك كل موضوعات الطبيعة من جبال وأنهار وطيور وأنعام وأشجار.
32
وأهم من ذلك كله الإنسان الذي ذكر في القرآن خمسا وستين مرة، ولم يدخل في بناء علم الكلام كموضوع مستقل.
33
مهمة «التراث والتجديد» نقصان مادة عن طريق اختصار كل مادة لا تعبر عن مطالبنا المعاصرة، مثل: مباحث الجوهر والعرض، وزيادة مادة أخرى أكثر تعبيرا عن مطالب العصر، مثل: العقل والعمل، والطبيعة، والسياسة، والثورة، والتنمية، والتقدم، والتاريخ.
34
صحيح أن من عيوب «التراث والتجديد» التطويل والإكثار من التحليلات، فلا توجد فكرة قديمة إلا وقد تم تحليلها ثم عرضها على العصر، ولا توجد مشكلة عصرية إلا وكانت محكا للتمحيص والاختيار بين البدائل. يدخل «التراث والتجديد» إذن ضمن المؤلفات المطولة، ويكون بذلك خليفة «المغني في أبواب التوحيد والعدل» أو «المحيط بالتكليف» ما دام أنه تطوير للتيار العقلي الطبيعي الاعتزالي مع إدخال عنصر الثورة والتحرر عليه، وهي مكتسبات في حياتنا المعاصرة، ونرجو من خلفائنا اختصاره وتركيزه.
Unknown page