Min Caqida Ila Thawra Muqaddimat
من العقيدة إلى الثورة (١): المقدمات النظرية
Genres
بدأت نظرية الذات والصفات والأفعال في الظهور على أنها المحور الرئيسي للعلم الذي يضم التوحيد والعدل معا، التوحيد في الذات والصفات، والعدل في الأفعال، ثم إضافة محور آخر هو النبوات أو السمعيات يضم مسائل النبوة والمعاد والإيمان والعدل والإمامة، وقد تسمى هذه الإضافات أو تترك بلا تسمية كما حدث في أول بناء العلم، هذا بالإضافة إلى المقدمات النظرية عن العلم والمعلوم، وقد حدث هذا التركيب في القرنين السادس والسابع على وجه الخصوص، وإن كانت بداياته قد ظهرت في القرن الخامس، وامتدت حتى القرن الثامن، وكان العالم على وعي بهذا التركيب، يبرزه ويوضحه في مقدماته، ولم يتركه على مستوى اللاشعور، يدركه الباحث بعقله أو يركبه بالاستعانة ببناء العلم المتقدم، وقد استمرت المقدمات النظرية في تمهيدات أربع تقيم أساسا نظرية العلم بالإضافة إلى شرعية العلم ودرجة وجوبه، مما يدل على أن التساؤل حول شرعية علم الكلام قد بدأ يدخل ضمن مقدماته النظرية، وهو ما قد سقط أيضا في فكرنا الكلامي المتأخر، وفي وجداننا المعاصر بالتسليم بعلم العقائد دون تساؤل حول شرعية هذا العلم في وقت تضيع فيه مصالح الأمة، وتتغير مظان الأخطار، من الفكر إلى الواقع ، ومن العقيدة إلى الشريعة، ومن التوحيد إلى الأرض، أما الوجود فإنه يعتبر مقدمة للذات في صيغة دليل الحدوث، وإثبات العلم بالصانع، ولا تشمل هذه التمهيدات أكثر من عشر العلم، مما يدل على أن قلب العلم هي نظرية الذات والصفات والفعال، كل منها تدل على قطب، وتشمل ثلاثة أرباع العلم، وهي كلها في التوحيد، أما القطب الرابع فلا اسم له، ولكنه يشمل النبوة والمعاد والأسماء والأحكام والإمامة، وهو ما سمي فيما بعد بالسمعيات. وفي النهاية يأتي ملحق في تاريخ الفرق عندما يتحول التاريخ ذاته إلى جزء من البناء.
1
هناك إذن محوران للعلم بعد التمهيدات وقبل الملحق، وهما الإلهيات والسمعيات كما سميا فيما بعد؛ من حيث الكم تبدو الإلهيات ثلاثة أضعاف السمعيات، وهو ما زال مستمرا في وجداننا المعاصر، ويبدو العدل وقد أصبح جزءا من التوحيد في قطب الأفعال التي تمثل ربع التوحيد من حيث الكم؛ وبالتالي يتوارى العدل داخل التوحيد حتى يتم القضاء عليه كلية كما هو الحال في فكرنا الديني المعاصر، أما القطب الرابع فإن النبوة أهم مباحثه وأكبرها، فهي تمثل نصفه، ويظهر المعاد، والأسماء والأحكام في موضوع واحد، والكل مع الإمامة لا يزيد على ربع العلم، أما التاريخ فإنه لا يزيد على خمس السمعيات التي لا تزيد على ربع العلم مما يشير إلى غياب التاريخ كلية من علم الكلام العقائدي المتأخر، ومن وجداننا المعاصر على السواء.
2
ثم تتحول نظرية الذات والصفات والأفعال إلى بناء للعلم يدور حول عشرة أبواب؛ الأول في العلم، والثاني في الوجود، وكلاهما يبلغان سدس العلم كله، ولكن يفوق الوجود العلم بحوالي ستة أضعاف؛ مما يدل على أن المعلوم أصبح أهم من العلم، وأن الوجود بدأ يرث التوحيد حتى تمدد الوجود، ووصل إلى أكثر من نصف العلم بمفرده، والأربعة التالية في الإلهيات، ثم الأربعة الأخيرة في السمعيات، وبالتالي تكون الإلهيات نصف السمعيات، والسمعيات ضعف الإلهيات كما هو حادث في فكرنا المعاصر من تبادل السيادة بين الإلهيات والسمعيات، وتشمل الإلهيات: التوحيد في الأبواب الثلاثة الأولى عن إثبات العلم بالصانع، ثم الذات، ثم الصفات، ثم العدل في الباب الرابع بعنوان «القدر»، وتختفي مسألة العقل والنقل داخل خلق الأفعال؛ فالعدل يتمايز عن التوحيد، ولكنه نصفه كما أن التوحيد ضعف العدل مما سهل فيما بعد ابتلاع العدل في التوحيد ثم اختفاءه كلية في وجداننا المعاصر، أما السمعيات فتشمل الأبواب الأربعة الأخيرة: النبوات، والنفوس الناطقة وأحوال القيامة (المعاد) والإمامة؛ فالمعاد إذن يشمل بابين، النفس الناطقة وأحوال القيامة، حوالي نصف العلم أو أقل قليلا ابتداء من الموت وتميز النفس عن البدن، ثم يتلوه من حيث الكم الإمامة ثم النبوة، ولا يظهر مبحث الإيمان والعمل أو الأسماء والأحكام في باب مستقل، وهذا هو أول بناء صريح للعلم يظهر في القرن السادس من مقدمتين نظريتين وأبواب ثمان، إلا أن التوحيد جار على العدل في باب الإلهيات، كما أن المعاد جار على الإيمان والعمل في باب السمعيات.
3
ويستمر هذا البناء المثمن للعلم بالإضافة إلى المقدمتين بطريقة أو بأخرى، فيدور العلم مثلا على ثمانية قوانين؛ الأول في نظرية الوجود، ويدخل العلم معه، فالأولوية للوجود على العلم، وهو ما اتضح فيما بعد من تمدد الوجود حتى أصبح نصف مادة العلم كلها، ومع ذلك لا تشمل المقدمتان أكثر من واحد من عشرين جزءا من مادة العلم كله في القانون الأول، ثم تظهر الإلهيات في القوانين الأربعة التالية في الصفات، وفي وحدانية الباري، وفي إبطال التشبيه، وفي أفعال واجب الوجود، وتظهر السمعيات في القوانين الثلاثة الأخيرة، في المعاد، وفي النبوات، وفي الإمامة. وتمثل الإلهيات ضعف السمعيات من حيث الكم مما يدل على استمرار هذا النمط حتى الآن في فكرنا المعاصر، ويمثل التوحيد أربعة أضعاف العدل؛ إذ يشمل التوحيد قوانين ثلاثة، في حين يشمل العدل قانونا واحدا، يدخل أيضا ضمن أفعال واجب الوجود وليس أصلا مستقلا عن التوحيد، وتظهر في العدل لأول مرة مادة جديدة تعادل الموضوعات التقليدية للبحث ذاته، مثل خلق الأفعال، والحسن والقبح ، والغاية والمصلحة من أجل رفض نظرية الفيض، ورفض قدم العالم، وإثبات الحدوث مما يدل على خطورة نظرية الفيض في القرن السابع بعد غزو علوم الحكمة لعلوم التوحيد، وقد كانت هذه المادة من قبل أدخل في نظرية الوجود، أما السمعيات فإنها تشمل موضوعات ثلاثة فقط: النبوة والمعاد، والإمامة دون الأسماء والأحكام، مما يفسر تواري موضوع العلم والالتزام السياسي عن حياتنا المعاصرة، وتشمل النبوة والمعاد ثلاثة أرباع السمعيات، والإمامة الربع الأخير، مما يفسر أيضا تواري المسألة السياسية في حياتنا المعاصرة أمام التفكير في الأنبياء وفي أحوال الآخرة.
4 (2) المقدمات، والإلهيات، والسمعيات
وبعد البناء المثمن للعلم، بالإضافة إلى المقدمتين، والذي بلغ ذروته النظرية في نظرية الذات والصفات والأفعال، بالإضافة إلى أبواب النبوة والمعاد والإمامة، يكتمل بناء العلم في القسمة الأساسية للعلم إلى إلهيات وسمعيات، بالإضافة إلى المقدمتين النظريتين عن العلم والوجود اللذين يصبحان معا نظرية واحدة في أحكام العقل الثلاثة: الوجوب، والجواز، والاستحالة، تضم العلم والوجود معا، وهي النظرية التي أصبحت فيما بعد المقدمة النظرية لعلم الكلام العقائدي، وتشمل هذه النظرية جزءا ضئيلا من مادة العلم كله، جزءا من أربعة عشر جزءا، وتشمل الإلهيات ثلاثة أخماس العلم؛ ومن ثم تفوق مع السمعيات الخمسين، وكلتاهما تتبادلان الأولوية حتى الآن في فكرنا المعاصر، ولكن في الإلهيات يتميز التوحيد عن العدل، ربما لجدل بين الأشاعرة والمعتزلة، ومحاولة الأشاعرة الرد على الموقف الاعتزالي الذي يعطي الأولوية للعدل على التوحيد، ويحدث التميز بإقصار التوحيد على الإلهيات، أما العدل فإنه يدخل في أصل ثان؛ هي «العبودية والصفات المرعية في ثبوت الطلبات التكليفية»، ويتساوى حينئذ التوحيد والعدل أو الإلهيات والعبودية من حيث الكم، ولو أن العدل موضوع تحت شعار «العبودية»، مما يدل على الخسارة التي أدى إليها اختفاء العدل كلية، وابتلاعه في التوحيد، وضياعه من وجداننا المعاصر، أما السمعيات، فإنها تتبادل اسمها مع النبوات، ويظل هذا التأرجح حتى المصنفات المتأخرة باستثناء المصنفات الأساسية في بناء العلم، فالنبوة هي حلقة الوصل بين الإلهيات والعبودية من ناحية وبين السمعيات من ناحية أخرى؛ فهي بعد الإلهيات والعبودية وقبل السمعيات، وتمثل النبوة والسمعيات تقريبا ستة أسباع العلم، ويبقى السبع الآخر للإيمان والعمل، والسياسة، وهذا ما يتضح أيضا في حياتنا المعاصرة من سيادة الفكر النبوي والأخروي على الفكر العلمي والسياسي، ويتساوى قدر النبوات وأمور المعاد من حيث الكم، وهما يوجهان فكرنا المعاصر على التبادل، ويحدث هذا التحول في بناء العلم عن وعي تام بالبناء دون أن يكون ذلك متروكا لاستنباط الباحث أو لعقلنة المادة.
5
Unknown page