Min Caqida Ila Thawra Muqaddimat
من العقيدة إلى الثورة (١): المقدمات النظرية
Genres
12
والله ليس موضوعا عقليا يمكن أن يوجد أو لا يوجد، يمكن إثباته أو نفيه بل هو مشروع الإنسانية والذي تحاول تحقيقه منذ وجودها حتى الآن، الله هو تقدم التاريخ الذي يساهم البشر في صنعه، الله ليس موضوعا للبرهنة العقلية على وجوده بل هو تاريخ يتقدم وواقع يتحرك، وجماهير تثور، ودول تقوم، ونهضات تؤسس. الحديث إذن عن «ذات» الله خطأ آخر في تصور التاريخ، وإذا كان من مآسينا المعاصرة غياب البعد التاريخي من وجداننا المعاصر فإن ذلك يرجع إلى ظهور «الله» كبعد رئيسي إن لم يكن البعد الأوحد كما هو الحال في تراثنا القديم، فظهور البعد الرأسي فيه كان بديلا عن ظهور البعد الأفقي في وجداننا المعاصر؛ «فالله» بديل التاريخ، والتاريخ وريث «الله»، الله هو غائية التاريخ كما تبدو في التقدم، وإن اكتشاف مجتمعات أخرى في حضارات مجاورة للتقدم والتاريخ إنما كان تحولا طبيعيا لتصورهم لله، وكما نفعل نحن الآن، في تراثهم القديم.
13
والتفكير في الله كموضوع خاص في المجتمعات النامية اغتراب بمعنى أن الموقف الطبيعي للإنسان هو التفكير في المجتمع وفي العالم، وكل حديث آخر في موضوع يتجاوز المجتمع والعالم يكون تعمية تدل على نقص في الوعي بالواقع لو كان الحديث طبيعيا غير مقصود أو على رغبة في التستر والتغطية على ما يدور فيه أو إعطاء لمن يعيشون عليه أمانا وهميا وتعويضا نفسيا عما ينقصهم وعما يسلب منهم لو كان الحديث مصطنعا مقصودا، والشواهد في البلاد النامية على ذلك كثيرة عندما نكثر من بناء المساجد في أقات الهزيمة، وعندما نكثر الحديث عن الله في أوقات الضنك، كما يحدث ذلك أيضا في النظم الرأسمالية عندما يأخذ الدفاع عن رأس المال صورة الدفاع عن الله، وعندما يتأكد التفاوت بين الطبقات وحق صاحب رأس المال المطلق في أن يفعل ما يشاء في صورة تأكيد للمراتب الإلهية وتثبيت لسلطة الله المطلقة، وحقه الذي لا ينازعه أو يشاركه فيه أحد، الحديث عن الله في المجتمعات النامية في الغالب نقص في الوعي بالواقع إذا كان من الناس وتستر على الواقع إذا كان من السلطة السياسية،
14
كما يستغل الدين أيضا في تدعيم النظم السياسية الوراثية، ملك عن ملك أو أمير عن أمير أو ضابط عن ضابط، فالملك واحد سواء كان الله أو الأمير، فكلاهما «صاحب الجلالة» لتدعيم شرعيتها بعد أن نقصتها الشرعية عن طريق عقد البيعة واختيار الأمة، الدين هنا يستعمل «أفيونا للشعب» من السلطة الحاكمة وإن لم يستعمل بعد «صرخة للمضطهدين» في تراث المعارضة.
15 (2) الصفات والأفعال
وقد يصبح موضوع العلم الذات بعد أن تتشخص أكثر فأكثر، ويصبح لها صفات وأفعال تتعلق بالدنيا وأحوال الناس كما تتعلق بالآخرة وأمور المعاد من حشر وحساب وجزاء، تسير أمور الدنيا من معرفة وسلوك ونبوة وسياسة، وأمور الآخرة من ثواب وعقاب.
16
فتصبح أمور الدنيا والآخرة كلها من الممكنات، وتصبح الذات وحدها الواجب الأوحد، لم تكتف الذات بأن تكون تشخيصا لمثل الإنسان وغاياته التي لم تتحقق بعد ولكنها تضخمت حتى شملت كل شيء، فيصبح كل ما عداها ممكنا فانيا، وهي الوحيدة الموجودة الباقية إلى الأبد، وقد يكون ذلك أحد الجذور التاريخية مما نعاني منه في حياتنا المعاصرة من تركيز لأمانينا القومية وتشخيصها في مركز واحد، يكون هو القادر وكل ما سواه تنفيذا لهذه القدرة، في حين أن البحث في العالم ممكن سواء في حوادثه أو في وضع الإنسان فيه، كما أن البحث في مصير الإنسان، في موته وبقائه في التاريخ من خلال آثاره وأعماله ممكن أيضا، ولكن باعتباره موضوعا مستقلا غير ملحق بموضوع آخر يكون هو الشيء والإنسان ظلا له. الحقيقة أن «علم الكلام» عند القدماء علم «لاهوتي» بالمعنى المسيحي الغربي للكلمة
Unknown page