Min Caqida Ila Thawra Iman
من العقيدة إلى الثورة (٥): الإيمان والعمل - الإمامة
Genres
وكما غاب النص على الإمامة على الإطلاق، غاب النص على إمام بعينه، الإمام الرابع؛ فقد تأخر عن بيعة الإمام الأول ثم بايعه دون إكراه، وبايع الإمام الثاني طواعية، ودخل مع الستة في الشورى دون مناداة بحق زائد. ولو كان هناك نص عليه لأظهره، ولكنه لم يفعل مع أن الصحابة قبلوا الرد بالنصوص. وقد أظهر الإمام الرابع كثيرا من النصوص واستدل بها دون أن يكون واحد منها نصا على إمامته، كما روى حديث الشورى وله نيف وسبعون دلالة، وروى أحاديث على إمامته وفضله دون أن يكون أحد منها نصا على إمامته، وكان الأولى أن يذكره نظرا لعموم البلوى بها. لو كان هناك نص لنقله أهل التواتر، خاصة وأن طالبي الإمامة لأنفسهم كانوا قلة، وكان الباقون يعظمون الرسول ويخشون من مخالفته. وقد حدثت أسباب توجب نصرة الإمام الرابع، وتدعو إلى إذاعة الخبر المنصوص عليه فيه، كما تدعو شجاعته وعظمة أتباعه ومطالبة الأنصار الإمامة وهو منهم، فلو كان النص موجودا لواجههم به. ولا يتورع عن إخفاء نص أو الإمساك عنه وهو المشهود له بالشجاعة وعدم الخوف. وفي مثل هذا الحدث الضخم لا ورع ولا تقوى يغنيان عن المجابهة. ولم يذكر النص وهو في ستة من الشورى. وبعد مبايعته كإمام رابع لم يبايعه الناس بناء على نص، بل عقدا واختيارا. وإن حجة التاريخ أقوى حجة، وهي عدم إنكار إمامة الخلفاء الثلاثة الأوائل، وعدم إنكار الخليفة الرابع لهم، فلا يعقل ألا يعترض أحد وألا يعترض الخليفة الرابع نفسه.
10
فإذا بطل التعيين بالنص صح الاختيار بالعقد. وإن أكبر دليل على بطلان النص هو الاختلاف حول المنصوص عليه باسمه، وعدم ظهور علم ثابت يحسم الأمر، ولو كان هناك نص لقيل أمام الجمهور فيصبح متواترا، أو أمام واحد واثنين فيصبح آحادا. والأول غير منقول، والثاني لا يورث العلم. ولو كان واحدا لبينه الوحي وتعلمته الأمة. وإذا كان النص يعلم ضرورة أو جوازا فلا ضرورة من العقل يقتضي التخصيص على شخص معين. والجواز من خبر الآحاد، وهو لا يورث العلم. والنص الجلي لا ينكتم، ولا يمكن إخفاؤه، والنص الخفي لا سبيل إلى علمه إلا بتأويل مظنون. وإن معظم النصوص المروية إنما تهدف إلى استعمال حجة السلطة ضد حجة العقل، وتهدف إلى زعزعة النظام القائم؛ فهو سلاح سياسي أكثر منه برهانا علميا.
11
وقد يبطل النص بالنظرية العامة في الخبر على ما هو معروف في نظرية العلم في المقدمات النظرية الأولى؛
12
فبالرغم من كون الإمامة أحد الموضوعات الظنية، إلا أن كيفية ثبوتها هو من الأمور القطعية، ويتطلب ذلك الاعتماد على الحديث والأخبار كنظرية مستقلة في المعرفة ابتداء من تعريف الخبر وأقسامه حتى شروط التواتر؛ فالخبر جملة خبرية لا إنشائية، قول يحتمل الصدق والكذب، وينقسم إلى ما يعلم صدقه قطعا، وما يعلم كذبه قطعا، وما يحتمل الاثنين . الأول ما وافق المعلوم قطعا بضرورة أو دليل قاطع، مثل الخبر عن المحسوسات وعن الضرورات، والثاني ما خالف الأول، والثالث ما يجوز فيه الصدق والكذب أو النفي والإثبات. الأول فقط يفيد العلم القطعي، ونموذجه الخبر المتواتر، في حين أن الثاني لا يفيد العلم القطعي، أما الثالث فلا يفيد إلا الظن. فالخبر المتواتر يعلم باضطرار لأنه يخبر عن حس أو بديهة طبقا لمجريات العادات، وليس عن نظر أو استدلال، كما أن عدد رواته يكون كافيا بحيث يؤدي إلى درجة حصول اليقين، والرواة عادة مستقلون عن بعضهم البعض، الأمر الذي يمتنع معه التواطؤ على الكاذب. والنص الذي تجب به الإمامة ليس خبرا متواترا؛ وبالتالي لا يفيد العلم القطعي؛ وبالتالي فلا بد أن تجد بعض مسائل علم أصول الدين حلها في علم أصول الفقه.
13 (1-2) النص المقرون بدليل المعجزة أو العقل أو الخروج
وقد تقف المعجزة وحدها كدليل بديل عن النص أو معه، فيختلط إثبات الإمامة بإثبات النبوة. وإذا لم تكن المعجزة دليلا على النبوة فالأولى ألا تكون دليلا على الإمامة.
14
Unknown page