Min Caqida Ila Thawra Iman
من العقيدة إلى الثورة (٥): الإيمان والعمل - الإمامة
Genres
وتورد حجج نقلية عديدة لإثبات أن مرتكب الكبيرة كافر، كلها تفيد معنى واحدا، وهو أن من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون، وأن الكافر يجزى على أعماله، وأنه يعذب يوم القيامة في النار، وأن الكفر يعود على النفس وليس على الله، وأنه روح اليأس وأفعال النفاق وترك الصلاة، وأن الله يغفر كل شيء إلا الشرك به لأنه كفر ... إلخ، والولاية والعداوة لله ضدان لا وسط بينهما، فكذلك الإيمان والكفر. وهناك حجج نقلية عقلية عديدة، منها قصة إبليس الذي كان عارفا بالله مطيعا له غير آبه بارتكاب الكبيرة، وهي امتناعه عن السجود لآدم، فاستوجب اللعن والتكفير والتخليد في النار. كما أن هناك حججا عقلية خالصة، منها أن الكافر سمي كذلك لأنه ترك الواجبات وأقدم على المقبحات، والفاسق كذلك، فيجب أن يكون كافرا.
18
فإذا كان اعتبار مرتكب الكبيرة كافرا موقف المعارضة واختيار مجتمع الاضطهاد، فإن الاختيار المضاد، وهو تبرئة مرتكب الكبيرة من الكفر، هو موقف السلطة واختيار مجتمع القهر والغلبة. ومع ذلك فرغبة في إظهار التشدد في تطبيق الدين مزايدة على إيمان العوام تكفر السلطة من يرتكب المعاصي عمدا وإصرارا ، وتطبق عليه الحد بما في ذلك حد القتل؛ درءا عن نفسها تهم انفصام العمل عن النظر. للسلطة إذن موقفان؛ الأول: متراخ بغية الدفاع عن شرعية الحاكم، حتى ولو كانت أعماله مخالفة للإيمان، وفي الوقت نفسه حصار المعارضة باعتبار أن أفعالها سياسية صرفة تدخل السياسة في الدين، ولا دين في السياسة ولا سياسة في الدين. والثاني: متشدد للظهور أمام العامة بمظهر المطبق لأحكام الشرع، والمنفذ لحدود الله في الكبائر التعبدية، مثل شرب الخمر والزنا والسرقة، وهي الحدود التي تهدف إلى الردع من أجل الحفاظ على النظام القائم.
19
وقد يكون للمعارضة أيضا موقفان؛ الأول: متشدد في مقابل السلطة وتكفير مرتكب الكبيرة؛ أي الحاكم اللاشرعي المغتصب. والثاني: لين بغية الحفاظ على وحدة الأمة.
20
والحقيقة أنه لا يوجد حكم واحد لمرتكب الكبيرة، بل تتعدد الأحكام طبقا للمواقف السياسية وللموقع في السلطة. وإن الحجج النقلية أو العقلية والحجج المضادة كلها قراءات في النص وإسقاط من الموقع عليه، سواء الموقع من السلطة أو الموقع من المعارضة. إن التكفير سلاح مزدوج بين السلطة وخصومها، لعنة قديمة ما زالت تلقى، بالإضافة إلى أنها ادعاء باطل فكريا، سلاح تستعمله السلطة ضد معارضيها، وتشهره على خصومها، خاصة إذا كانت السلطة غير شرعية، في حين أن الخلاف في الفهم والتعارض في الفكر خصب ونماء، ونتيجة لأعمال الحرية والاجتهاد، وتوفي مناخ للجدة والابتكار، وإلزام الأفراد بقضايا الجماعة ومشاكل الأمة. كما أن أحكام التكفير على مختلف درجاتها لا يمكن لأي إنسان أن يصدرها؛ لأنه يخرج بها عن نطاق حدوده كإنسان. كل الأحكام الخاصة بالكفر والإيمان والشرك والفسوق والعصيان لا يمكن لأحد أن يصدرها إذا كان الهدف منها توقيع الجزاء ثوابا أم عقابا في نهاية الزمان؛ لأن الإنسان ليس حاضرا هناك. وأي إنسان يستطيع ذلك؟ لا يمكن لإنسان إصدار حكم على آخر قائلا «هذا كافر»، «هذا فاسق»؛ لأنها أحكام تخرج عن نطاق الوضع الإنساني. (1-3) هل مرتكب الكبيرة فاسق ومنافق؟
إن لم يكن مرتكب الكبيرة مؤمنا أو كافرا، أو مؤمنا نظرا وكافرا عملا، فإنه يكون فاسقا؛ فالإيمان لغويا لا يعني فقط التصديق، بل يضم أيضا العمل؛ فالأعمال جزء من الإيمان. والفسوق لغة يعني الخروج، وارتكاب الكبيرة خروج العمل على النظر؛ وبالتالي يكون فسوقا لا يخرج عن الإيمان ولا يدخل في الكفر، منزلة بين المنزلتين. والله سمى إيمانا ما لم يكن في اللغة إيمانا؛ وبالتالي لا يمكن استبعاد مرتكب الكبيرة عن الإيمان. ومع ذلك إذا كان اسم الإيمان يستوجب المدح والثناء، فإن مرتكب الكبيرة لا يستحقه؛ وبالتالي لا يمكن تسميته مؤمنا. أما ارتكاب الصغائر فإنه لا يخرج عن الإيمان. يتدخل إذن كم الفعل في الحكم عليه بأنه قد خرج عن النظر أم لم يخرج؛ فالأفعال كيف وكم، وتدل على بناء الشعور ودرجة تمثله للوجدان والفكر. ولا يقال عن مرتكب الكبيرة في فاسق على الإطلاق، بل فاسق في موقف معين على الخصوص في فعل معين. إن خروج العمل على النظر يضع الإنسان في عملية متصلة؛ فالخروج يعني الدخول؛ ومن ثم يتحدد الإنسان بالصيرورة لا بالوجود، وبالفعل لا بالصفة، كما هو الحال في الوحي في وصف الإيمان كفعل لا كاسم. وما دام الفاسق لا يخرج عن الإيمان فإنه لا يخرج عن الأمة، تحل مناكحته وموارثته. وارتكاب الكبيرة يستوجب التوبة؛ فإن لم يتب مرتكب الكبيرة ومات عليها فإنه يستوجب العذاب والخلود في النار؛ فصلة النظر بالعمل هي التي تحدد الوضع في المعاد.
21
إن الكفر لا يكون في العمل، بل في النظر؛ فإذا كان الكفر يعني الستر والتغطية فإنه يكون ضد كشف الحقائق النظرية ووضوحها. أما عدم تطابق العمل مع النظر فإنه فسوق، أي خروج، وأحيانا يجمع بين الاثنين، ويكون الفسوق هو الخروج عن النظر وعلى العمل على السواء؛ فالإيمان اجتناب الكبيرة فحسب، والأقوال والأفعال ليست من الإيمان، وأفعال الفعل والشرك كلاهما طاعة؛ لذلك لا يسبى العاصي لأنه يعرف الله إن كان قد جحده وعصاه. معرفة الله إذن خصلة بين الإيمان والشرك.
Unknown page