Min Caqida Ila Thawra Iman
من العقيدة إلى الثورة (٥): الإيمان والعمل - الإمامة
Genres
وقد تتجاوز العلاقات الاجتماعية من البراءة والولاية إلى علاقات الحرب والسلام. وبطبيعة الحال يحدد مجتمع الاضطهاد علاقته بمجتمع الغلبة على أساس من المقاومة والحرب؛ فأهل الغلبة كفار وليسوا بمشركين، تحل غنيمة سلاحهم عند الحرب دون سبيهم وقتلهم في السر، إلا من اعتنق الشرك ودعا إليه. وقد يباح قتلهم وسبيهم علنا، وسلاحهم غنيمة، ولكن يرد إليهم الذهب والفضة، فهم أعداء سلاح، دارهم دار إسلام إلا معسكر السلطان؛ أي المحاربين منهم.
53
أما مجتمع الغلبة والقهر فإنه يجعل الجهاد مع الأعداء في الخارج هو الأساس، وليس في الداخل، ما دامت طاعة الداخل لهم واجبة، والخروج عليهم بالسيف حرام شرعا، فتنة تضعف الأمة من الداخل وتشقها؛ وبالتالي لا تقوى على مقاومة الأعداء في الخارج. قد يكون ذلك سوء نية لحصار المعارضة والقضاء عليها، وقد يكون حسن نية كطريق إلى الوحدة الوطنية.
54
سادسا: مرتكب الكبيرة
إن عرض الاحتمالات السابقة في العلاقات الثنائية أو الثلاثية لكل من المعرفة والتصديق والإقرار والعمل في مقابل الاحتمال الرابع والأخير، يضع مسألة الفرق بين الواقع والمثال؛ فالاحتمالات الأولى واقعة في حين أن الاحتمال الأخير، أي وحدة الشعور في أبعاده الأربعة، مثال ممكن الوصول إليه. ويظل التقابل في الحالات الممكنة الأولى بين النظر الذي يشمل المعرفة والتصديق والعمل الذي يشمل الإقرار والفعل. فإذا ما حدث الفصم بين أيهما والشعور فإنه يحدث بين النظر والعمل، بين الداخل والخارج، وليس بين بعدي النظر الداخلي، المعرفة والتصديق، أو بين بعدي العمل الخارجي، الإقرار والفعل. الأول هو الخصم الرئيسي، في حين أن الثاني خصم فرعي. ولما كان الواقع هو الأساس فإن الفصم بين الداخل والخارج هو الاحتمال السائد، لدرجة أن الإيمان قد أطلق على الداخل دون الخارج، أي على النظر دون العمل، باستثناء لحظات الضيق والشدة وأوقات الغضب والتمرد حيث يأتي العمل مكملا للنظر، ويبدو النظر فارغا دون العمل، ويستصرخ الناس العمل ويدعون إليه. وهذه هي مسألة مرتكب الكبيرة التي هي لب موضوع النظر والعمل. هل يمكن أن توجد معرفة وتصديق دون إقرار وعمل؟ هل يمكن أن يوجد الداخل دون الخارج؟ هل يكون المؤمن مؤمنا لو كان لديه النظر دون العمل؟ وهل يمكن أن يكون للإنسان عمل دون نظر؟ هل هذه هي التفرقة المشهورة بين الإيمان الحي الذي يطابق فيه الإيمان العمل والإيمان الميت الذي هو مجرد إيمان لا يتخارج منه عمل؟ الإيمان القادر والإيمان العاجز، الإيمان بالفعل والإيمان بالقوة، الإيمان العملي والإيمان النظري؟
ولكن ماذا تعني الكبيرة؟ تتراوح التعريفات للكبيرة بين تعريف عقائدي ديني، أي كل ما دخل في العقاب وارتبط بالوعيد وله حد وتعريف أخلاقي، أي كل ما تم عقد العزم على فعله وارتبط بالوعيد وله حد أخلاقي، أي كل ما تم عقد العزم عليه دون توبة؛ وتعريف اجتماعي، أي كل ما أدى إلى المفاسد ومنع المصالح. الكبيرة هي كل ما دخل في الوعيد أو كل ما تعرض إلى عقاب وقابله حد. وهذا التعريف عقائدي خالص لا يبدأ من تحليل الفعل ذاته. ويلحق موضوع النظر والعمل بأمور المعاد. وإذا كانت الكبيرة كل معصية عن عمد وإصرار دونما استغفار أو توبة، وبالتالي تكون الصغيرة هي الفعل الذي يتم الاستغفار عنه والتوبة منه. وهذا التعريف يجعل الكبيرة ملحقة بنتائجها الأخلاقية في الفرد، وليس بنتائجها الفعلية وأثرها على الجماعة؛ لذلك قد تكون الكبيرة هي كل درء للمصالح وجلب للمفاسد؛ فالأفعال ليست فقط دينية شرعية أو أخلاقية فردية، بل هي أفعال اجتماعية تؤثر في حياة الناس، إما بدرء المفاسد أو بجلب المصالح. ولكن، هل الكبيرة والصغيرة اسمان إضافيان، كل منهما كبيرة أو صغيرة بالنسبة للأخرى؟ وبالتالي هناك سلم للأفعال، أعلاها الكبيرة على الإطلاق، وأدناها الصغيرة على الإطلاق؛ وبالتالي هناك درجات لدرء المفاسد وتحقيق المصالح. ولكن، هل هناك كبيرة على الإطلاق وصغيرة على الإطلاق؟ وهل الكبيرة على الإطلاق فعل نظري مثل الكفر أو فعل عملي؟ وما هي الصغيرة على الإطلاق؟
1
وهل يمكن حد الكبائر والصغائر كما؟ وما هي الكبائر؟ هل هي أفعال نظرية مثل الكفر والإلحاد، أو عملية مثل القتل والقذف والزنا والسرقة وشرب الخمر والفرار من الزحف وأكل مال اليتيم وعقوق الوالدين؟ إذا كان الكفر والإلحاد أفعالا نظرية ترتبط بتصورات الفرد بالنسبة لحقوق الله، فإن باقي الأفعال عملية ترتبط بمعاملات الفرد بالنسبة لحقوق الآخرين. الكبائر إذن هي التعدي على مقاصد الشريعة وأصولها وضروراتها، مثل الدين والنفس والعقل والعرض والمال. ليست الكبائر إذن مجرد أفعال فردية خاصة، مثل المحافظة على العقل (تحريم شرب الخمر) أو العرض (تحريم الزنا) أو المال (تحريم السرقة والربا)، بل هي الأفعال الفردية العامة، مثل البر بالوالدين واحترام الآخرين (تحريم القذف)، ويأتي في القمة الصمود أمام الأعداء وعدم الفرار من الزحف.
2
Unknown page