Min Caqida Ila Thawra Cadl
من العقيدة إلى الثورة (٣): العدل
Genres
122
وافتراض التشابه بين الاضطرار والاكتساب يجعل جميع الأفعال اضطرارية أو جميعها اكتسابية. التشابه توحيد يلغي التفرقة والتمييز. ولما كان الاضطرار هو المشبه به والاكتساب هو المشبه، كان إلغاء الفرق في صالح الاضطرار، وأصبح كلاهما من المؤله المشخص على مذهب الكسب. كما أن افتراض التشابه بين الاضطرار والاكتساب يلغي التفرقة بينهما من أن الاضطرار فعل للعضو والاكتساب فعل للإرادة. لا يستطيع الإنسان تغيير أفعال الاضطرار لأنها واقعة ببناء العضو، ولا يستطيع أحد أن يغير من بناء العضو. ويظل اكتساب فعل للعضو فعلا عضويا عن طريق المران. في حين أن أفعال الكسب أفعال إرادية تقوم على بذل الجهد وممارسة الحرية. قد تتحول بعد ذلك إلى أفعال عادية. ولكن العاديات هنا يكون مرجعها إلى حرية أولية نشأت عليها. ويجوز أن يحدث التماثل بين الذوات دون الصفات لأن التماثل في الصفات يلغي التمييز بين الأشياء. فلا فرق بين إنسان وآخر من حيث هو ذات. ولكن هناك فرق بين إنسان وآخر من حيث هو سلوك. والحقيقة أن الأفعال تحدث بالنسبة لتصورنا ودواعينا وأحوالنا، ولا يمكن تسميتها بأنها مخلوقة أو مضطرة لأنها تعبير عن هذه المقاصد والدواعي والأحوال. والاضطرار في الحركات الاضطرارية قائم على إثبات محدث في الشاهد، أما الاضطرار في الحركات الاختيارية فقائم على إثبات محدث في الغائب. وهذا لا يجوز لأنه إثبات بلا برهان. والاشتراك في الحدوث لا يقتضي الاشتراك في الحاجة إلى محدث معين بل إلى محدث ما غير معين بالدلالة، والدلالة على أن الإنسان هو المحدث لا غيره.
ولماذا يكون الاضطرار من الخارج؟ قد يكون الاضطرار من بناء العضو ذاته كما هو في حالة العجز أو القيد. قد يكون في حالة لا تسمح بالفعل من ضغط سياسي أو حياء اجتماعي. وفي كل الحالات، الاضطرار فعل للإنسان. بل إن السيطرة على الإرادة هي في نفسها إرادة، وعدم الفعل هو نوع من الفعل. قد يكون الاضطرار طبيعيا كحركات الأفلاك. ولكن هذا الاضطرار أيضا داخلي لأنه ناشئ عن قوانين الطبيعة التي يدركها العقل من الأشياء. أما الحركات الضرورية للموجودات غير الطبيعية فلا نعلم عنها شيئا بل هي مجرد افتراضات ناتجة عن عواطف التأليه وتشخيصها في موجود أسمى أو في موجودات أخرى خاضعة له.
123
صحيح أن أفعال الساهي والنائم أفعال اضطرارية لا إرادية، ولكن وقوعها لا يتم بتدخل إرادة خارجية، بل بفعل الشعور عن أفعال اللاشعور، وإن كانت تتم فيه لأنها لا تتم بالإرادة الواعية. ولا يعني الساهي والنائم أنهما غير قادرين على الإطلاق، بل هما قادران ولكن في لحظة معينة؛ لحظة غياب الشعور، لا تؤثر في قدرتهما. ولا يعني عدم تأثير القدرة في لحظة معينة إبطال القدرة في كل لحظة. إن الدواعي المقصودة لا تكون مؤثرة بطبيعتها لأن صحة المؤثر في وجود القدرة.
124
ولا خوف من أن يكون العالم فاعلا ومن أن تكون علة الفاعلية في العالم وليست خارج العالم. فالعلة المباشرة مثل الإرادة الإنسانية علة في العالم.
125
إن افتراض إرادة وقدرة وعلة خارج العالم لهو وقوع في السر والغموض واللامباشرة إيهاما للعوام بالعظمة والتجلي وإيقاع لها في الصغر والدونية. ولماذا الاكتساب إذن؟ أليس القادر على البعض قادرا عليها كلها؟ ولماذا الاختيار إذن؟ وهل الفاعل اضطرارا يكون فاعلا اضطرارا على الإطلاق؟ (3)
اكتساب المهارات. لا يعني اكتساب المهارات بالتعلم تدخل إرادة خارجية في فعل الإنسان تجعله قادرا على الإتيان بالفعل بدليل يدل على أن الإنسان بالممارسة والتعليم يستطيع أن يكسب فعلا عندما يتحول الفعل الأول إلى طبيعة ثانية. يقتضي التعليم الاستعداد النفسي والبدني، ولكنه استعداد موجود بالفعل وليس مقذوفا به من الخارج. فإذا لم يحدث التعليم واكتساب المهارة فإن ذلك لا يعني نفي القدرة. القدرة موجودة ولكن التعلم هو الغائب، ويمكن حدوث التعلم بالممارسة.
Unknown page