Min Caqida Ila Thawra Cadl
من العقيدة إلى الثورة (٣): العدل
Genres
واعتبار الخلق بالقول لا بالفعل هو محاولة أخرى لإنقاذ الحرية الإنسانية وذلك بإخراجها من نطاق الإرادة المطلقة ووضعها تحت القول. والقول أقل حدوثا ووقوعا من الفعل.
64
والتفرقة بين صفات الذات وصفات الفعل محاولة ثالثة بعد نفي الصفات وإثبات حدوثها لإثبات الطرفين معا الإرادة المطلقة وحرية الإنسان والتوفيق بين الحقين معا، حق التوحيد وحق العدل؛ فصفات الذات صفات نظرية لا تؤثر في الفعل وتحفظ حق الإرادة المطلقة، في حين أن صفات الفعل هي الصفات العملية التي تؤثر في الفعل. إن كون الإرادة المطلقة صفة ذات لا صفة فعل نظرية لا تتدخل في مسار الفعل الإنساني. وتثبت الحرية بجعل صفة الإرادة صفة فعل لا صفة ذات؛ لأن صفة الذات تعبر عن جوهر المعبود، في حين أن صفة الفعل تعبر عن أفعاله في الزمان والمكان. صفات الذات ضرورية في حين أن صفات الفعل ممكنة. الإرادة صفة فعل، أي أنها قد تقع وقد لا تقع؛ مما يترك المجال للحرية الإنسانية.
65 (3-4) إثبات حرية الأفعال
لا يحتاج إثبات خلق الإنسان لأفعاله إلى حجج نقلية قدر احتياج الإيهام بالجبر أو التسلل بالكسب ؛ لأن العقل قادر على البرهنة عليه، كما أن التجربة تشهد بحرية الأفعال، التجربة الذاتية للأفراد، والجماعية للشعوب، والتاريخية للإنسانية. ولا تستعمل الحجج النقلية إلا في الرد على الحجج النقلية المضادة لنظريتي الجبر والكسب. ويكون ذلك إما بمقابلة نصوص تدل على حرية الأفعال في مقابل نصوص توهم بالجبر أو بالدفاع عن صحة تأويل هذه النصوص ضد سوء تأويل الجبر لها أو بتأويل النصوص التي توهم بالجبر دفاعا عن خلق الإنسان لأفعاله.
66
وقد تتدخل النظرة الشرعية التي تقوم على النقل والعقل في أحكام الأفعال لإثبات حرية الأفعال في كل فعل؛ وبالتالي تفرض الإحكام الشرعية الخمسة بناءها على الإرادة المطلقة.
67
أما الحجج العقلية فإنها تقوم على استحالة إثبات مراد لإرادتين، وهي الحجة العامة لإثبات الحرية أو على استحالة إعطاء الله أمرا يأباه ويكرهه، وإلا كان ذلك جمعا بين متناقضين. فإما أن يكون الفعل للإنسان أو لغيره، ولا سبيل إلى الاشتراك وإلا وقعنا في الشرك الذي يسلب من الله حقه النظري ومن الإنسان حقه العملي. فلا هو أعطى الله كل شيء ولا أعطى الإنسان أي شيء، وأحدث الخلل بين النظر والعمل في الله وأضاعهما في الإنسان. وهو تمويه لا يجوز على الله؛ إذ إنه يأمر بالشيء وهو يضمر ضده كمن يريد إثبات عصيان العبد أمام القاضي لأوامر سيده، إذ ليس المقصود تنفيذ الأمر بل إثبات العصيان. والله لا ينصب للإنسان شراكا يوقعه فيها، بل يصدقه الإنسان دون أن ينتظر منه غير ما يأمر به وغير ما يظهر له ويحدثه فيه. ولا يعني النسخ أن المأمور به لا يكون مرادا بل الغرض منه إعادة بناء الشريعة على أساس الواقع وقدراته وليس الاستدلال النظري على حرية الأفعال. كما لا تعني قصة إبراهيم وأمره بذبح ولده إسماعيل جواز أن يكون المأمور غير المراد؛ لأنه أيضا درس في الطاعة للأمر، ودرس في أن الإنسان قيمة مطلقة، المقصود منه الدرس المستفاد وليس ما قبله. وقد تم ذلك في الحلم دون اليقظة، وأن إبراهيم كان مأمورا بمقدمات الذبح دون الذبح ، ولم يحدث أن تم الذبح والتأم القطع مرات عديدة.
68
Unknown page