Min Caqida Ila Thawra Cadl
من العقيدة إلى الثورة (٣): العدل
Genres
ولا يمكن تصور تعارض في صفات الذات وإلا كان نقصا في التنزيه. فالسؤال التقليدي: هل يأمر الله من يعلم أنه يحول بينه وبين الفعل؟ وضع لصفتي العلم والقدرة موضع التعارض والتضارب. والسؤال لا يعبر عن مشكلة واقعية بقدر ما هو تمرين عقلي يسمح للذهن بإظهار عواطف التأليه بالتضحية بحرية الإنسان.
35
وكما ينفى العلم والقدرة تنفى الإرادة. كما تنفى أسماء الإرادة أو صفات الانفعال مثل الرضا والسخط لإفساح المجال لحرية الأفعال.
36
فنفي الصفات إثبات للحرية الإنسانية وكسر لأغلفتها الخارجية. والحقيقة أن نفي الإرادة إنما يعني في الواقع إعادة تفسيرها بحيث تفسح المعاني الجديدة المجال لحرية الأفعال. فيعاد تفسير الإرادة إنقاذا للحرية الإنسانية على أنها علم أو أوامر أو حكم أو تسمية أو مراد أو تخلية أو ميل أو اختيار أو كراهة أو حركة أو معنى. ويعاد تأويل قصة إبليس حتى تنتهي في النهاية إلى كون الإرادة مجازا في الله، حقيقة في الإنسان، ويسترد الإنسان حريته. فالإرادة هي العلم، والعلم حق نظري وليس تحقيقا عمليا كما هو الحال في صفة العلم. العلم حق نظري وحرية الأفعال واقع عملي، والعلم النظري به حرية الأفعال، وهو لا يجبر على شيء؛ لأن الحرية مسطورة فيه. ولن يكره الله حرية الإنسان وفعله الاختياري، بل إنه يجعل ذلك مطويا تحت حقه النظري. بل إن من عظمة الملوك تحقيق إرادة الشعوب، فإرادة الملوك من إرادة الشعوب، وإرادة الشعوب تقوية لإرادة الملوك، وليست مناهضة لها، خاصة إذا كانت الملوك عادلة والشعوب واعية. وإن سخط الله وغضبه ليس إجبارا للعباد، ولكن تعاطفا معهم، وحبا لهم، وشفقة بهم، معهم وليس ضدا لهم. صحيح أن الله فعال لما يريد، ولكن ذلك حق نظري وليس واقعا علميا. وأكرم إلى الله أن يكون ملكا في عالم حر ولشعب حر على أن يكون ملكا قاهرا على شعب مقهور بلا إرادة، وأن من عظمة الملوك حريات الشعوب واستقلال إرادتها، وهي ليست صفات متضادة بل هي متحدة. ليست الإرادة ضد العلم أو العلم ضد الإرادة، بل هي صفات واحدة. ما يحدث في العالم يحدث بعلم وإرادة لا بمعنى أنه يحدث ما يجهله أو ما لا يريده. علم الله تجريبي وليس إجبارا لأفعال الإنسان، وإرادته تقوية لإرادة الإنسان وليست ضدها.
37 (3-2) تأويل الإرادة
وقد تكون الإرادة هي الأمر. ويكون رد الإرادة إلى الأمر مثل ردها إلى الخلق أو إلى العلم لإنفاذ حرية الأفعال. والأمر ليس إجبارا، بل مجرد توجيه ودعوة إلى الفعل وليس تحقيقا للفعل، وهو المنوط بإرادة الإنسان وحريته. ولا يعني ذلك الأمر بأفعال الأطفال والمجانين لأن شرط التكليف العقل والبلوغ؛ فهو أمر شرعي وليس أمرا كونيا ميتافيزيقيا غيبيا. إن التوحيد بين الإرادة المطلقة وبين الأمر المطلق ينقذ الفعل الإنساني الحر وفي الوقت نفسه لا يثبت حق التأليه. وهو أقرب إلى إثبات الحرية من نفيها. الله مريد لتكوين الأشياء يعني أنه كونها وأن إرادته للتكوين هي التكوين.
38
لذلك فإن فعل الأمر واقع. ولو ارتبط بمشيئة الله ولم يقع فإنه حنث باليمين. والفعل قبل أن يقع لا يسمى فعلا. الأمر مجرد توجيه للفعل ونداء له.
39
Unknown page