Min Caqida Ila Thawra Cadl
من العقيدة إلى الثورة (٣): العدل
Genres
يمكن نفي الصلاح والأصلح عن طريق نفي الواجبات؛ فالله لا يجب عليه شيء من صلاح أو أصلح. هو عدل في أفعاله، بمعنى أنه متصرف في ملكه، يفعل ما يشاء، لا حاكم عليه، وإلا استوجب الذم بتركه، وإن تركه يكون ناقص الفضل وهو محال.
2
وهذا في الحقيقة إرجاع لأصل العدل إلى أصل التوحيد من جديد بعد أن انبثق منه، وعود للإنسان المتعين داخل الإنسان الكامل، وبالتالي قضاء على الموضوع من الأساس؛ فالإنسان المتعين خالق أفعاله، وقادر على العقل والتمييز، لا يملكه أحد، ولا يملي أحد عليه إرادته. وقد بلغت ذروة هذا الرجوع إلى بطن التوحيد في إلغاء الخلق والتكليف، وهو أول الواجبات العقلية في القصة الرمزية للإخوة الثلاثة. توفى الأول صبيا، وبالتالي فلا يثاب ولا يعاقب، في حين بلغ الثاني والثالث، فآمن الثاني ودخل الجنة، وكفر الثالث ودخل النار. فإذا سأل الأول لماذا لم يعش حتى يؤمن ويدخل الجنة في أعلى عليين؟ كان الرد أن الأصلح له أن يموت صغيرا فلو عاش لكان قد كفر فعذب في النار! حينئذ يهب الثالث محتجا ومتسائلا ولماذا لم يمت هو منذ الصغر؟ فقد كان الأصلح له أن يدخل الجنة ولو في رتبة دنيا أفضل من أن يعذب في النار؟
3
فهذا عود من جديد إلى أصل التوحيد في سبق العلم الإلهي لما يحدث وتوجيهه ضد الحرية للقضاء عليها. ولكن إذا كان العقل والحرية هما السبب في فعل الأصلح، فالأصلح نتيجة طبيعية لهما وليس ضدهما. تقوم هذه القضية إذن على خلط بين مستوى الصلاح ومستوى الحرية. فالإنسان يعمل في إطار العمر والقدرات الفعلية والعقلية. لا يتخلى عن حريته إذا ما كانت نتائج أفعاله ليست في صالحه. الحرية هي الأساس في صالح الإنسان. والقصة استدراك ورجوع إلى الوراء وافتراض خالص يقوم على «لو»، أي إنها حجة افتراضية وليست واقعية. بالإضافة إلى أن «لو» قضاء على الفعل إلى اللافعل وإمساك عن التقدم إلى التأخير، وتفضيل لعدم الخلق والتكليف على الخلق والتكليف. وعلى هذا النحو قد يتعدى نفي الأصلح من الأفعال إلى الخلق كله، وبالتالي يكون الأصلح للعاصي ألا يخلق، ورفض الخلق هو كفر بنعمة الحياة أولا وتخل عن الرسالة ونكوص عن المسئولية قبل أن يكون عصيانا في فعل معين.
4
وقد يتعدى أيضا إلى رفض التكليف وأن يكون الإنسان مخلوقا جمادا أو حيوانا؛ وبالتالي ينكر الإنسان نعمة العقل وفضيلة الجهاد. وإنكار حرية الإنسان هو إنكارها للبشر. وأن الشك في صحة التكليف لعلم الله المسبق بكفر الكافر، وبالتالي لا يكون تكليفه صلاحا له وإن كان أصلح للمؤمن، هو عود لضرب الله بالإنسان، دون استطاعة الإنسان أن يفلت منه، في حين أن أصل العدل هو إثبات للإنسان الحر العاقل من داخل الإنسان الكامل، القادر والعالم على الإطلاق ؛ ومن ثم كان الأصلح للإنسان إثبات الحرية وكونه مسئولا عن أفعاله وأن ما يأتيه بحريته واختياره وليس بفعل آخر أصلح له. وبالتالي تجب ثورة الفقراء والمعذبين على أوضاعهم التي ليس فيها صلاحهم لأن الأصلح لهم ممارسة الحرية والغضب وتغيير الوضع القائم إلى وضع أفضل. الصلاح والأصلح إذن حقيقة إنسانية تحدث في الموقف الإنساني وليس افتراضا خياليا يبدأ بأداة الشرط «لو» التي تمحو الخلق والحياة والعقل والتكليف والفعل. وإن جعل حقائق الحياة افتراضا قضاء على البواعث وتسكين للأفعال. والأصلح ليس للفرد بل للجماعة، وإلا فلا معنى للتضحية والشهادة وإنكار الذات. وهو لا يتغير من فرد إلى فرد، ومن وقت إلى وقت بل الصلاح حقيقة موضوعية، هو الصالح العام. قد يحتوي الصالح العام على خسارة فردية ولكنها غير دالة بالنسبة إلى الصالح العام. ليس الصالح هو الأنفع بالنسبة إلى الشخص بل إلى النوع، والإنسان قادر على التمييز بين مستويات الصلاح والأصلح.
5
الأصلح هو الأنفع بوجه عام، إذ يوصف الفعل بأنه نفع وسرور وصلاح وأصلح وليس مجرد لذة وألم أو نفع أو ضرر. هناك مراتب للصلاح والأصلح من حيث المستوى (للفرد أو للجماعة)، والشدة (اللذة والألم، النفع والضرر، الإصلاح والإفساد)، والزمن (الفناء والبقاء). ومن ناحية أخرى قد يقال إن التقيد بالأصلح يجعل أفعال الله متناهية في حين أن أفعاله لا متناهية؛ ومن ثم يؤدي القول بالصلاح والأصلح إلى الجبر في أفعال الله. وإذا كان الله يفعل تفضلا وكرما ولطفا، فاللطف بهذا المعنى نفي للصلاح والأصلح.
6
Unknown page