Min Caqida Ila Thawra Cadl

Hasan Hanafi d. 1443 AH
134

Min Caqida Ila Thawra Cadl

من العقيدة إلى الثورة (٣): العدل

Genres

تنتظم أفعال الوعي الفردي في مجموعات ثنائية مزدوجة إيجابا وسلبا، وكأننا أمام فعلين متضادين أشبه بأحوال الصوفية، وذلك مثل: التوفيق والخذلان، الشرح والطبع، الفتح والختم، الهداية والضلال. وقد تختلف أطراف الأفعال المتضادة؛ فقد يكون النصر بدلا من التوفيق في مقابل الخذلان، وقد تكون الأفعال المزدوجة متماثلة متشابهة وليست متعارضة متضادة، إما إيجابا مثل التوفيق والسداد، العون والتيسير، أو سلبا مثل الطبع والختم، وقد يقع التجانس في أفعال ثلاثية وليست ثنائية، وغالبا ما تكون إيجابا لا سلبا مثل النعمة والفضل والإحسان، وقد تكون رباعية وغالبا ما تكون أيضا إيجابا لا سلبا مثل القوة والعون والحول والتيسير، وقد يكون فعلا واحدا بمفرده وغالبا ما يكون إيجابا مثل العصمة، فالأفعال في معظمها يغلب عليها الإيجاب (أربعة عشر فعلا هي: النصر، السداد، التوفيق، الشرح، الفتح، الهداية، النعمة، الفضل، الإحسان، العصمة، القوة، العون، الحول، التيسير) أكثر من السلب (أربعة أفعال وهي: الخذلان، الطبع، الختم، الضلال) مما يدل على أن الوعي الفردي أكثر إيجابية وتفاؤلا وقدرة على الخلق والإبداع والنجاح منه على السلبية والتشاؤم والاستسلام والرضوخ والفشل.

ويصعب تحديد المعاني الدقيقة لكل الألفاظ المتجانسة إيجابا مثل: الهداية والعون والتيسير والتوفيق، أو لكل الألفاظ المتجانسة سلبا مثل: الخذلان والضلال والطبع والختم. إنما المقصود منها شيء واحد وهو: هل يتم الوعي الفردي من داخله بفعل إرادته الحرة، أم من خارجه بفعل إرادة خارجية؟ وقد تكون الألفاظ أقرب إلى الترادف وإلى التمرينات العقلية للإجابة على هذا السؤال المبدئي. فالإجابة بعدم قدرة الوعي من داخله على الأفعال تفرز تراث السلطة التي تتمثل الإرادة الخارجية مشخصة في الله أولا ثم في السلطان ثانيا، والإجابة بقدرة الوعي من داخله على أفعاله تفرز تراث المعارضة التي تتمثل في جموع المحكومين وعامة الرعية؛ لذلك قد يذكر منها البعض دون البعض، وقد يتم التركيز على البعض دون البعض. يذكر التوفيق والخذلان والهداية والضلال والعون والتيسير والعصمة والطبع والختم، ولا يكاد يذكر الشرح والفتح والنعمة والفضل والإحسان والقوة والحول، ولكن يمكن فهمها قياسا، كما يمكن إضافة غيرها قياسا.

وقد ظهر بعض هذه الأفعال مثل الإيمان والكفر في أفعال الشعور الداخلية، كما ظهر موضوع التوفيق والخذلان والإشقاء والإسعاد كعقائد فرعية من العقيدة الأم، عقيدة القضاء والقدر. وقد يدخل البعض منها في موضوع الحسن والقبح، أي في الشق الثاني من العدل وبوجه خاص في موضوع اللطف أو الصلاح، ومع ذلك فمكانه الطبيعي هو آخر باب خلق الأفعال وبداية الحسن والقبح؛ وبالتالي يكون هو الانتقال الطبيعي من شق العدل الأول خلق الأفعال، إلى شقه الثاني الحسن والقبح. (1-1) التوفيق والسداد

وتتصارع كل أفعال الوعي الفردي ابتداء من التوفيق والسداد مع إرادتين، إرادة الله وإرادة الإنسان، هل التوفيق والسداد فعلان لله أم فعلان للإنسان؟ وكيف تكون أفعال الوعي الفردي لغير الإنسان وهي مرتبطة بالتمييز والعقل، وهما أخص خصائص الإنسان؟ إن التردد بين نسبة أفعال الوعي الفردي إلى الله أم إلى الإنسان إنما هو ناتج عن الخلط بين الانفعال والعقل، بين العاطفة والذهن، فليس الأمر مزايدة في الإيمان وابتهالات لله، بل تحليل لأفعال الشعور ودفاع عن استقلال الإنسان.

4

ليس الأمر منافسة أو مبارزة أو تحديا بين الله والإنسان، ووضع الله مكان القادر والإنسان مكان العاجز دفاعا عن الله وتضحية بالإنسان أمام السلطان أكثر منه أمام الله، ونفاقا أكثر منه إيمانا؛ إذ يعجز الإنسان عن الإجابة المضادة وإلا وقع تحت شتى ألوان الضغط النفسي والإرهاب السياسي وتملق إيمان العوام،

5

لا يعني جعل أفعال الوعي الفردي مسئولية الإنسان أي تعجيز لله، بل تثبيتا لحكمته وغايته، وهو الدفاع عن حرية الإنسان واستقلاله ومسئوليته، ويزداد الأمر صعوبة إذا ما كان التوفيق والسداد بناء على الدعاء والابتهال والسؤال والاستعطاف والاستجداء والمناجاة والطلب والبكاء؛ وبالتالي يقع الوعي في خطأين؛ الأول التخلي عن الفعل إلى الانفعال ثم الطلب الفعل من الآخر وليس من الذات. وهل الدعاء قادر على استجلاب الطاعة أم أن الفعل هو القادر على ذلك؟ إذا كان الفعل فالإنسان حر وإلا احتاج إلى قدرة ولزم الدور.

6

وكيف يتم التوفيق والسداد للبعض دون البعض؟ أليس من سمات صفات الذات أو الفعل الإطلاق؟ وإذا كان مقياس التمييز هو العمل الصالح فيكون فعل الإنسان هو علة التوفيق والسداد وليس فعل الله؟ إن التوفيق والسداد هما في حقيقة الأمر الميل النفساني المصاحب للفعل نتيجة لقوة الباعث وصدق النفس وكمال الغاية من داخل الشعور وليس من خارجه، وما يسمى بالتيسير والعون والتوفيق أو العصمة أو القوة أو الفضل أو النعمة أو الإحسان كل ذلك هو القوة التي يشعر بها الإنسان أثناء عمله بعد تخطيطه وبذل جهده. هي قوة الفعل الذاتي وهي تحقق والإمكانيات الجديدة التي تظهر، قوة الحق على الباطل، قوة حضور المبدأ على غيابه، وقوة الطبيعة على مناقضتها، وقوة التاريخ على مناهضته، هي ذلك التثبت والبرهان الذي يجده الإنسان في نفسه والثقة بالنفس ساعة الفعل. التوفيق أو العصمة أو التأييد أو الهداية، كل ذلك شعور إنساني بأن الفعل قد تم على أكمل وجه أكثر مما كان الإنسان يتوقع في البداية، وهو شعور موجود بالفعل ولكنه لا يدل على تدخل إرادة خارجية مشخصة أحدثت هذا التوفيق، بل تدل إذا كان الفعل مرويا على حدوث الفعل بإرادة الإنسان طبقا لباعثه وتخطيطه وغايته، أما إذا لم يكن الفعل مرويا وحدث الفعل فإنه يدل على وجود علة أحدثته، أما إرادة إنسان آخر أو تداخل الأحداث وتشابكها كما تتداخل الأمواج لحمل غريق على الشاطئ أو مجرد مسرى التاريخ الذي يتحقق بالإرادة البشرية العامة والتي يصل تأثيرها حتى هذا الفعل غير المروي فيجرفها أمامه كشيء طبيعي، فإذا ما حدث الفعل دون ما توقع من الإنسان الذي لم يقصده ولم يفعله حسب ذلك توفيقا وعصمة وسدادا وعونا وقوة وحولا وتيسيرا أو فضلا ونعمة وإحسانا!

Unknown page