Min Caqida Ila Thawra Cadl
من العقيدة إلى الثورة (٣): العدل
Genres
التوليد في أفعال الشعور. وهنا يكون التوليد في أفعال الشعور الداخلية؛ فالتركيز على فعل يولد فعلا آخر، وذلك لأن الشعور الداخلي حر الأفعال. وقد يعني هذا التوليد استمرار القدرة على الفعل، إما في حياة الإنسان بعد عجزه عنه أو بعد مماته بما يتركه من سنن وأفكار واتجاهات وجماعات وأحزاب وقوانين وتنظيمات وتشريعات؛ فأفعال الإنسان مستمرة حيا أو ميتا، وبقاؤه مستمرا غير محدود بالآجال. فمن سن قانونا بأن كل من يعترض أو يتظاهر فإنه يسجن، ثم يموت واضع القانون فإن أثره يظل من خلال قانونه، ويكون هو المسئول عن كل سجين ومعتقل إلى أن يتغير القانون بقانون آخر يبطل فعل القانون الأول. وقد لا تحدث آثار الفعل أثناء حياة الفاعلين قدر حدوثها بعد مماتهم في آثارهم وسننهم وقوانينهم بشرط توفر الهدف والقصد والنية.
51
ويمكن ترك الفعل المتولد والإنسان على قيد الحياة بتغيير فعله المبتدأ مصححا إياه؛ ومن ثم يمحي أثره، والإنسان قادر على ذلك ما دامت الغاية واضحة والنية متوافرة. والقدرة على السلوك موجودة، والمانع غائب. فإذا ما تحقق من أن فعله ليس هو الفعل الأمثل، غير الفعل الأول إلى فعل ثان ومن ثم يتغير أثره معه. ويمكن للآخرين بعد حياة الفرد القيام بتغيير فعله أو إدخال تعديل عليه أو تركه إلى فعل آخر وتصحيح فعله؛ وبالتالي يتغير أثر الفعل الأول ويحل محله الفعل الثاني.
52
بل إن مجرد الاحترام المعنوي لشخص غائب نوع من بقاء الفعل بعد الاستطاعة الأولى. فاستطاعة الغائب فاعلة، إما لاحترام شخصه أو تقدير أمره أو تخليدا لذكراه. التوليد هو إثبات لفعل الجماعة ولوجود الجماعة ولحضور الجماعة وتأكيد لجماعة الحياة والخلق والانتشار. لا يضير الإنسان أن يبدأ فعله من فعل غيره أو أن يؤثر الغير في فعله. وما دام هذا الفعل قائما على نفس القصد ويهدف إلى نفس الغاية، فإن اتفاق الباعث والهدف يجعل اتفاق الفعلين أولى من الاختلاف. وإن حدث اختلاف في الأفعال فالفعل الأصح والأكمل يعدل ويصحح الفعل الآخر. وإن كان أحد الفعلين خطأ على الإطلاق غيره الفعل الثاني ونفاه وبدله إلى فعل صحيح. ولا يعني عدم وقوع الفعل إبطال التوليد، بل دخول فعل آخر أكمل من الفعل الأول وابتلاعه له في ميدان السلوك.
53
ليس الوقت الثاني والثالث في الأفعال هو وقت الحركة، بل توالي الأجيال. يستمر فيها طالما بقيت القدرة عليه حتى تأتي أفعال مضادة أو يضعف الأثر أو تتغير الظروف.
54
يتضح بقاء الفعل في العالم بعد الاستطاعة الأولى في أثر الأفعال وبقائها بعد حياة الفاعل. بل إن كثيرا من الأفعال لا يظهر أثرها الإيجابي أو السلبي إلا بعد حياة فاعلها. وهذا هو معنى الحضارة أو الإنسانية. الحضارة تراكم أفكار البشر وأفعالهم بعد انتهاء قائليها وفاعليها. تلك هي قدرة الإنسان على الخلود وتخليد ذاته بأفعاله الباقية. فلا تناقض إذن في وجود قدرة مع الموت لأن الموت في هذه الحالة قد تم التغلب عليه، فتحول إلى حياة دائمة. كما تم التغلب على العجز فتحول إلى قدرة دائمة. ذاك هو وضع الإنسان في الحياة؛ يحقق رسالته فيتحول وجوده النسبي إلى وجود مطلق، ووجوده الزماني إلى وجود أبدي.
55
Unknown page