Min Caqida Ila Thawra Cadl
من العقيدة إلى الثورة (٣): العدل
Genres
مزاحمة الفكر الغيبي للفكر العلمي. إذ يتضح في موضوع التوليد الصراع بين الفكر الديني الغيبي، والفكر الديني العلمي. وهي المعركة الرئيسية في الطبيعيات. ويظل الفكر في التولد متذبذبا بين العاطفة والعقل، بين الخرافة والعلم. ويظل المؤله المشخص متحفزا باستمرار لسلب الإنسان كل ما يختص به، يعطي له أخص خصائص الإنسان. يظل الإنسان بلا عمل أو قدرة أو اختصاص. وإذا كان من وظائف التوحيد كونه فكرة محددة مهمتها التمييز بين المستويات، بين المادة والصورة، فإن المؤله المشخص يلغي عمل الفكرة المحددة ويخلط بين المستويات.
22 (2) إثبات التوليد
لما كانت الاستطاعة لا توجد فقط قبل الفعل أو مع الفعل، بل أيضا بعد الفعل ثبت التولد.
23
فالإنسان بعد أن يقوم بفعل مبدئي يبقى أثر هذا الفعل قائما، وتظل فاعليته سارية إلى أن تحدث موانع توقفها كفاعلية مضادة أعظم أو كضعف في تمثل الفاعلية أو تآكلها بمرور الزمن. الفعل المباشر هو الذي لا تبقى استطاعته في وقتين، في حين أن الفعل المتولد يحدث بأثر القدرة الأولى دون حاجة إلى بدء ثان. وكما أن القدرة في المبتدأ سابقة على الفعل فكذلك القدرة في المتولد سابقة على الفعل. والفرق بين القدرتين أن الأولى مباشرة والثانية متولدة. ولا يعني غياب الفاعل غياب الفعل؛ لأن الفعل مشروط بالقدرة لا بالفاعل. وما دامت القدرة موجودة فالفعل موجود. ولا يهم أن تكون القدرة المتقدمة باقية بفعل الابتداء أم باقية بإرادة خارجية. فلا معنى لإثبات إرادة خارجية تبقى على القدرة واستمرار الفعل ما دامت موجودة. والاستمرار في الوجود أسهل من الوجود ابتداء. لا يقع الفعل المباشر على الإطلاق بقدرة معدومة لأنه هو الفعل المبدئي. والأمر فعل. وطالما كان موجها فهو فعل، وفعله باق ما بقي الزمان، ولا يحتاج إلى أمر مجدد. الفعل للتكرار على ما يقول الأصوليون. التوليد إذن إما أن يحدث في الحال أو يحدث في الاستمرار. الأول كالفعل الناتج عن فعل آخر، والثاني كالفعل الذي يحتاج إلى وقت يختمر فيه وينضج ويظهر بعد مدة من الزمان.
24 (2-1) حجج إثبات التوليد
ومع أن إثبات التوليد لا يحتاج إلى أدلة؛ فهو تجربة واقعية وشهادة حسية ضرورية، إلا أن هناك عدة أدلة تثبت وجوده سواء كانت نقلية أم عقلية، منها: (1)
يثبت التوليد بإثبات العلية أو السببية؛ لأنه يقوم عليها وعلى التوسط بالسبب. يحدث الفعل بتوسط سبب لا بطريق مباشر، خاصة إذا كان الفعل يتطلب قدرة أعظم من القدرة الأولى ولا يمكن أن يحدث بالقدرة في الحال الأول. فكثيرا ما أثرت فكرة في التاريخ، وامتد أثرها أضعاف ظهورها في الحال الأول. إن الفعل الأول القائم على صفاء الباعث وكمال الغاية متطور بطبيعته وقادر على احتواء أكبر قدر ممكن من الواقع.
25
وقد يكون السبب نوعين، سبب معنوي فكري نظري خالص مثل الأفكار والسنن والقوانين وأثرها في التاريخ، وسبب مادي مباشر وهو العلل المادية في الظواهر الطبيعية.الأولى أسباب غير مباشرة أو معنوية والثانية أسباب مباشرة أو مادية. لا يحتاج إثبات التولد إذن إلى إثبات التوسط بالسبب المادي وحده؛ فالتولد بقاء معنوي للفعل الأول واستمراره في الزمان. ليس الفعل هو الفعل الطبيعي فحسب الذي يحتاج إلى مسبب مادي متوسط حتى يحدث أثره بل هو أيضا الفعل الإنساني الذي يحدث أثره بتحوله إلى باعث مستمر في شعور الآخرين أو إلى إبداع مستمر في شعور الإنسان كما هو الحال في أفعال الشعور من اعتقاد ونظر وخلق؛ ومن ثم يكون السؤال عن سبب الفعل، هل هو السبب أم القادر؟ سؤالا بغير ذي دلالة لأن الفعل هو صاحب الأثر. والأسباب لا تؤثر بنفسها دون فعل إنساني. النار تطهى وتحرق، والفعل الإنساني هو الذي يجعلها إما تطهى أو تحرق. وكل سؤال عن السبب المباشر في الطهي والإحراق، هل هو الإنسان كفعل أم النار كسبب؟ سؤال تحت الدلالة، وما تحت الدلالة أو فوقها لا معنى له.
Unknown page