أخبرنا محمد بن حمد، أخبرنا علي بن الحسين في كتابه، أخبرنا الحسن ابن علي بن الحارس الأسواني، حدثنا أبو بكر محمد بن علي بن عمران المعروف بابن الإمام، أخبرنا عبيد الله بن أحمد بن حامد بن محمود بن ثرثال البزار، قال: قرئ على العباس بن المغيرة الجوهري: حدثنا أبو علي حنبل بن إسحاق، قال: لما أمر أبو إسحاق بتخلية أبي عبد الله خلع عليه أبو إسحاق منطقة وقميصا وطيلسانا وخفا وقلنسوة، فبينا نحن على باب أبي إسحاق في الدهليز، والناس في ذلك الوقت مجتمعون في الميدان وفي الدروب وغيرها، وأغلقت الأسواق واجتمع الناس، فنحن على ذلك إذ خرج أبو عبد الله على دابة من دار أبي إسحاق وقد ألبس تلك الثياب، وابن أبي دؤاد عن يمينه وإسحاق بن إبراهيم عن يساره، فلما صار في دهليز أبي إسحاق قبل أن يخرج إلى الطريق، قال لهم ابن أبي دؤاد: اكشفوا رأسه، فكشفوه وذهبوا يأخذون به ناحية الميدان نحو طريق الحبس، فقال لهم: خذوا به ههنا، يريد دجلة، فذهب به إلى الزورق فحمل إلى دار إسحاق ومعه غسان وصاحب الشافعي، فأتي به دار إسحاق فأقامه عنده إلى أن صلينا الظهر، وبعثت إلى أبي وإلى جيراننا وإلى مشايخ المحال فجمعوا، فأدخلوا عليه، فقال لهم: هذا أحمد بن حنبل إن كان فيكم من يعرفه وإلا فليعرفه.
وجاء ابن سماعة فدخل، قال أبو عبد الله: فقال ابن سماعة حين دخل للجماعة: هذا أحمد بن حنبل، وإن أمير المؤمنين ناظره في أمر وقد خلى سبيله، وها هو ذا، فأخرج على دابة لإسحاق عند غروب الشمس، فصار إلى منزله ومعه السلطان والناس. فلما صار على الباب سمعت عياشا صاحب الحبس لما رأى أبا عبد الله قد أقبل، فقال عياش لصاحب إسحاق والناس قيام: تازية تازية، يعني: عربي عربي. فدخل أبو عبد الله ودخلت معه من باب الزقاق وهو منحن على الضربة التي كانت قد أجافت ولم تنقب بحمد الله، وكان عليها منحنيا، فلما صار إلى باب الدار ذهب لينزل علي احتضنته ولم أعلم، فوقعت يدي على موضع الضربة فصاح وألمه ذلك ولم أعلم فنحيت يدي، ونزل متوكئا علي ودخلنا وأغلق الباب. ورمى أبو عبد الله بنفسه على وجهه، لا يقدر يتحرك هكذا ولا هكذا إلا بجهد، وخلع ما كان عليه وأمر به فبيع، وأخذ ثمنه فتصدق به.
وكان إسحاق بن إبراهيم لا يقطع عنه خبره، وذلك أنه تركه فيما حكي لنا عند الإياس منه، وكان أبو إسحاق ندم بعد ذلك وأسقط في يده حتى صلح. وكان صاحب خبر إسحاق بن إبراهيم يأتينا في كل يوم يتعرف خبره، حتى صلح وبرئ بعد الصلاح وخرج إلى الصلاة والحمد لله رب العالمين. وبقيت يده وإبهامه متخلعتين يضربان عليه إذا أصابهما البرد حتى نسخن له الماء، وصار سوط من الضرب في خاصرته فظنوا أنها قد نقبت فسلمه الله من ذلك ورزقه العافية.
Page 63