قال أبو عبد الله: فصيرت في سفينة من الرقة مع أسرائهم، فكنت في أمر عظيم يعني من الأذى فقدم أبو عبد الله بغداد فجلس في دار عمارة في إصطبل لمحمد بن إبراهيم، أخي إسحاق بن إبراهيم، وكان في حبس ضيق ومرض أبو عبد الله وكان في شهر رمضان، وكان مقيدا، وكان في أمر عظيم، فحبس في ذلك الحبس قليلا ثم حول إلى التعيين إلى سجن العامة، فمكث في السجن نحوا من ثلاثين شهرا، فكنا نأتيه في السجن أنا وأبي وأصحاب أبي عبد الله، فأكثر ذلك ندخل عليه، وربما حجبنا، فسأله أبي فقال: تحدث أبا علي وتقرأ عليه؟ فإنك فارغ، فأجابه، فقرأ علي كتاب الإرجاء وغيره في الحبس، فرأيت أبا عبد الله يصلي بأهل الحبس وهو محبوس معهم وعليه القيد، وكان قيدا واسعا، فكان في وقت الصلاة والوضوء والنوم يخرج إحدى الحلقتين من إحدى رجليه ويشدها على ساقه، فإذا صلى ردها في رجليه، وذلك بغير علم من إسحاق بن إبراهيم فقلت له في الحبس: يا عم، أراك تصلي بأهل الحبس! فقال: ألا تراني وما أصنع؟! يعني في إخراج القيد من إحدى رجليه قلت: بلى. ثم ذكر أبو عبد الله حجر بن عدي وأصحابه، فقال: أليس كانوا مقيدين؟ أليس كانوا يصلون جماعة؟! على الضرورة لا بأس بذلك. قال أبو عبد الله: وإن كان فيهم مطلق ورضوه صلى بهم، قلت: فالذي في رجليه القيد لا يمكنه أن يقعد في الصلاة على ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في الركعة الأخيرة، يمنعه القيد من ذلك، فقال أبو عبد الله: كيفما تيسر له وأطاق، إلا أني أطيق ذلك لأني أخرجه من رجلي. ثم قال: فكرت في أمرنا فرأيت مثلنا في هذا الأمر مثل حجر وأصحابه لما أخرجوا وقيدوا، فكأنا كنا في مثال أمرهم. ثم قال أبو عبد الله: أولئك أنكروا شيئا ونحن دعينا إلى الكفر بالله، فالحمد لله على معونته وإحسانه، سبحان الله لهذا الأمر الذي ابتلى الله به العباد.
أخبرنا أبو سعيد محمد بن أبي محمد بن أبي نصر الأصبهاني بأصبهان، أخبرنا أبو نهشل عبد الصمد بن أحمد بن الفضل بن أحمد العنبري، أخبرنا أبو القاسم علي بن أحمد بن مهران، حدثنا أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن مندة الحافظ، أخبرنا أبو مسلم محمد بن إسماعيل بن أحمد المديني، حدثنا أبو الفضل صالح بن أحمد، حدثني أبو عبد الله السلال، قال: سمعت أبا عبد الله محمد بن نوح رحمه الله قال: قلت لأبي عبد الله: يا أبا عبد الله، إن رأيتني قد ضعفت أو خذلت فلا تضعف، فلست أنت كأنا، فقال لي : أبشر، فإنك على إحدى ثلاث: إما أن لن تراه ولم يرك، وإما رأيته فكذبته فقتلك، فكنت من أفضل الشهداء، وإما رأيته فصدقته فحال الله عز وجل بينك وبينه.
Page 35