بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ الإمام العالم الأوحد الورع الزاهد الثبت الناقد الثقة الحافظ، محيي السنة، وقامع البدعة تقي الدين أبو محمد عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي، رحمه الله.
الحمد لله المحمود على كل حال، الدائم بلا زوال، الموصوف بصفاته القديمة من غير مثال، المنزه عن الكيف في العقل والمقال. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الكبير المتعال، شهادة صادق في المقال، يرجو بها خير العاجل والمآل، وصلى الله على سيد المرسلين، وخاتم النبيين، محمد وآله خير آل، صلاة دائمة من غير انقطاع ولا انفصال.
أما بعد؛ فإن الله عز وجل أكرم قوما بطاعته، ثم امتحنهم ببليته، ليعظم لهم الحظ الجزيل من كرامته، ويبلغهم بذلك أسنى المراتب من نعمته.
وكان من أعظمهم في ذلك عطية، وأشدهم في دين الله بلية، أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني رضي الله عنه، فإن الله عز وجل ابتلاه ثم صبره، وأقامه لنصرة دينه ويسره، وأعلى ذكره بذلك ونشره، وأجزل له من الثواب وبشره، فسبحان الله الذي أنعم عليه، وقربه لديه، وساق ذلك الفضل العظيم إليه. وقد ذكرنا من ذلك ما تيسر ورويناه، وأثبتناه ودوناه، طلبا للثواب ورجاء المنفعة به، نسأل الله عز وجل أن يجعله لوجهه خالصا، ولذنوبنا ممحصا، وأن ينفعنا به وسامعيه والناظرين فيه، إنه سميع قريب مجيب، حسبنا الله ونعم الوكيل.
Page 9
ذكر ابتداء محنة الإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن
هلال بن أسد
Page 10
أخبرنا الإمام أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد البغدادي بقراءتي عليه ببغداد، أخبرنا الإمام أبو الفضل محمد بن ناصر بن علي الحافظ، أخبرنا الحسن بن أحمد البنا، أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد الحافظ، حدثنا عبد الواحد بن علي بن الحسين القاضي، حدثنا أبو الحسن علي بن موسى بن عيسى البزاز، حدثني أحمد بن محمد بن الحجاج المروذي، قال: كنت يوما قاعدا على قنطرة التبانين، فإذا أنا برجلين يقدمان رجلا بدويا على قعود له، إذ وقفوا علي وقالوا: هو ذا، هو جالس، فقال لي البدوي: أنت أحمد بن حنبل؟ فقلت: لا، أنا صاحبه، اذكر حاجتك، فقال: أريده، فقلت: أدلك عليه، فقال: إي والله، فمضيت بين يديه حتى أتيت باب أبي عبد الله، فدققت الباب، فقالوا: من هذا؟ فقلت: أنا المروذي، فقالوا: ادخل، قلت: أنا ومن معي؟ قالوا: أنت ومن معك، فلما رأى أبا عبد الله، قال الأعرابي: إي والله ثلاث مرات فسلم عليه، فقال: ما حاجتك؟ فقال: أنا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليك، قال: ويحك ما تقول؟! قال: أنا رجل بدوي بين حيي وبين المدينة أربعون ميلا، أوفدني أهلي المدينة أمتار لهم برا وتمرا، فأتيت المدينة، فابتعت لهم ما عهدوا إلي من ذلك، فجنني المساء، فصليت في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم عشاء الآخرة، واضطجعت فبينا أنا نائم إذ أتاني محرك فحركني، وقال لي: أتمضي لرسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة؟ فقلت: إي والله، فقبض بيده اليمنى على ساعدي اليسرى وأتى بي حائط قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، فوقفني عند رأسه، فقال: يا رسول الله، فسمعت من وراء الحائط قائلا يقول: أتمضي لنا في حاجة؟ فقلت: إي والله، إي والله، إي والله، فقال: تمضي حتى تأتي بغداد، أو الزوراء الشك من المروذي فإذا أتيت بغداد فسل عن منزل أحمد بن حنبل، فإذا لقيته فقل: النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ عليك السلام ويقول لك: إن الله مبتليك ببلية، وممتحنك بمحنة، وقد سألته لك الصبر عليها، فلا تجزع.
قال المروذي: وكان إذا قال له رجل: وحملك يا أبا عبد الله في السوط؟ يقول: قد تقدمت المسألة. قال أبو بكر: وكان بين منصرف الأعرابي وبين المحنة خمسة وعشرون يوما.
أخبرنا عبد الرحمن بن علي، أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم، أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري، أخبرنا غالب بن علي، أخبرنا محمد بن الحسين، حدثنا محمد بن عبد الله بن شاذان، قال: سمعت أبا القاسم بن صدقة، يقول: سمعت علي بن عبد العزيز الطلحي، يقول: قال لي الربيع: قال لي الشافعي: يا ربيع، خذ كتابي وامض به وسلمه إلى أبي عبد الله أحمد بن حنبل وائتني بالجواب، قال الربيع: فدخلت بغداد ومعي الكتاب، فلقيت أحمد بن حنبل صلاة الصبح، فصليت معه الفجر، فلما انفتل من المحراب سلمت إليه الكتاب، فقلت له: هذا كتاب أخيك الشافعي من مصر، فقال أحمد: نظرت فيه؟ فقلت: لا، فكسر أحمد الخاتم، وقرأ الكتاب فتغرغرت عيناه بالدموع، فقلت له: أي شيء فيه أبا عبد الله؟ فقال: يذكر أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال له: اكتب إلى أبي عبد الله أحمد بن حنبل واقرأ عليه مني السلام، وقل له: إنك ستمتحن وتدعى إلى خلق القرآن، فلا تجبهم يرفع الله لك علما إلى يوم القيامة. قال الربيع: فقلت: البشارة، فخلع قميصه الذي يلي جلده، فدفعه إلي فأخذته وخرجت إلى مصر، وأخذت جواب الكتاب وسلمته إلى الشافعي، فقال لي: يا ربيع، أي شيء الذي دفع إليك؟ قلت: القميص الذي يلي جلده. فقال لي الشافعي ((ليس نفجعك به، ولكن بله وادفع إلينا الماء حتى أشركك فيه)).
Page 11
أخبرنا عبد الرحمن بن علي، أخبرنا محمد بن ناصر، أنبأنا الحسن بن أحمد، أخبرنا إبراهيم بن عمر البرمكي (ح)، أنبأنا هبة الله بن أحمد الحريري، أخبرنا إبراهيم بن عمر البرمكي، قال: وجدت في كتاب أبي: حدثنا أبو بكر أحمد بن شاذان، أخبرنا أبو عيسى يحيى بن سهل العكبري إجازة قال البرمكي: وكتبت من مدرجة أبي إسحاق بن شاقلا وقدم علينا فاستجزت منه قالا: حدثنا أبو القاسم حمزة بن الحسن الهاشمي وكان ثقة حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد النيسابوري، حدثنا الربيع بن سليمان، قال: كتب على يدي الشافعي كتابا إلى أبي عبد الله أحمد بن حنبل، ثم قال لي: يا أبا سليمان انحدر بكتابي هذا إلى العراق ولا تقرأه، فأخذت الكتاب وخرجت من مصر حتى قدمت العراق، فوافيت مسجد أحمد بن حنبل، فصادفته يصلي الفجر فصليت معه، وكنت لم أركع السنة، فقمت أركع عقيب الصلاة، فجعل ينظر إلي مليا حتى عرفني، فلما سلمت من صلاتي سلمت عليه، وأوصلت الكتاب إليه، فجعل يسألني عن الشافعي طويلا قبل أن ينظر في الكتاب، ثم فضه وقرأه، حتى إذا بلغ موضعا منه بكى، وقال: أرجو الله تعالى أن يحقق ما قاله الشافعي، قلت: يا أبا عبد الله، أي شيء قد كتب إليك: قال إنه ذكر في كتابه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في نومه وهو يقول: يا ابن إدريس، بشر هذا الفتى أبا عبد الله أحمد بن حنبل أنه سيمتحن في دين الله، ويدعى إلى أن يقول: القرآن مخلوق، فلا يفعل، وأنه سيضرب بالسياط، وأن الله عز وجل ينشر له بذلك علما لا ينطوي إلى يوم القيامة، فقلت: بشارة فأي شيء جائزتي عليها؟ وكان عليه ثوبان، فنزع أحدهما ودفعه إلي، وكان مما يلي جلده، فأعطاني جواب الكتاب، فخرجت حتى قدمت على الشافعي فأخبرته بما جرى، قال: فأين الثوب؟ قلت: هو ذا، قال: لا نبتاعه منك ولا نستهديك، ولكن اغسله وجئنا بمائه، قال: فغسلته، وحملت ماءه إليه، فتركه في قنينة، فكنت أراه في كل يوم يسمح منه على وجهه تبركا بأحمد بن حنبل.
Page 12
أخبرنا أبو طالب المبارك بن علي بن محمد بن خضير الصيرفي، أخبرنا أبو طالب عبد القادر بن محمد بن يوسف، أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن عمر بن أحمد البرمكي، أخبرنا علي بن عبد العزيز، أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، حدثنا أبو زرعة، قال: سمعت محمد بن مهران الجمال، يقول: رأيت أحمد بن حنبل في المنام كأن عليه بردا مخططا أو معينا، وكأنه بالري يريد المصير إلى الجامع يوم الجمعة، فاستعبرت بعض أهل التعبير، فقال: هذا يشتهر بالخير. قال: فما أتى عليه إلا قريب حتى ورد ما ورد من خبره في المحنة.
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن حمد بن مفرج بن غياث الأرتاحي بقراءتي عليه بفسطاط مصر، أخبرنا أبو الحسن علي بن الحسين بن عمر الفراء الموصلي في كتابه، أخبرنا أبو القاسم الحسن بن علي بن الحارث الأسواني، أخبرنا أبو بكر محمد بن علي بن عمران المعروف بابن الإمام، أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حامد بن محمود بن ثرثال البزار، قال: قرئ على العباس بن المغيرة الجوهري في داره ببغداد وأنا حاضر اسمع حدثنا أبو علي حنبل بن إسحاق بن حنبل، قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل وذكر المحنة، فقال: رأيت في المنام علي بن عاصم فأولت: علي علو، وعاصم عصمة من الله عز وجل، فالحمد لله على ذلك.
Page 13
أخبرنا أبو بكر أحمد بن أبي نعيم عبيد الله بن أبي علي الحسن بن أحمد ابن أحمد الحداد الأصبهاني بها، أخبرنا الشريف أبو القاسم حمزة بن العباس العلوي، أخبرنا أبو بكر أحمد بن الفضل الباطرقاني، أخبرنا أبو عمر عبد الله ابن محمد بن عمر العبدي اللنباني، حدثني نصر، حدثنا محمد بن مخلد، حدثنا أبو خالد يزيد بن الهيثم، حدثنا عبيد الله القواريري، قال: بلغني عن رجل له حال أنه رأى هذه الرؤيا، فأحببت أن أسمعها منه فبلغه، فجاءني وعندي قوم من أهل الحديث، فسلم علي، فرأيت شيخا له هيئة، وأشار إلي الذي بلغني عنه: هذا هو صاحب الرؤيا، ووقع الشيخ على رأسي فقبلني، وسمعت صبية لي وهي تقول للنساء: قد جاء الشيخ، ووقع على رأس أبي! وعلى وجهه النور. فأخذ الشيخ بيدي فخلا بي، فقال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم قاعدا ومعه أحمد ابن نصر، فقال: على ابن فلان لعنة الله ثلاث مرات وعلى فلان وعلى فلان لعنة الله ثلاث مرات فإنهما يكيدان الإسلام وأهله، ويكيدان أحمد بن حنبل والقواريري وليس يصلان إلى شيء منهما إن شاء الله يعني ابن أبي دؤاد ثم قال: أقرئ أحمد والقواريري السلام، وقل لهما: جزاكما الله عني خيرا وعن أمتي.
أخبرنا أحمد بن أبي نعيم بن أبي علي، أخبرنا حمزة بن العباس العلوي، أخبرنا أحمد بن الفضل الباطرقاني، أخبرنا أبو عمر عبد الله بن محمد بن أحمد ابن عبد الوهاب، أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن عمر العبدي، حدثني محمد بن علي بن بحر أبو بكر، حدثني أبو نصر فتح بن نصير، قال: سمعت أبا بكر الخفاف، حدثني حسين، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقلت: يا نبي الله، ما بال أحمد بن حنبل؟ قال: سيأتيك موسى عليه السلام فسله. فإذا أنا بموسى، فسألته، فقال: ابن حنبل بلي في السراء والضراء فوجد صادقا، فألحق بالصديقين، فقلت: فما بال بشر؟ فقال: بشر قبض من الأرض وما عبد أتقى منه، فقلت: يا نبي الله، فما بال هؤلاء الذين يتكلمون في القرآن؟ قال: فقال لي: على هؤلاء لعنة الله قال: فسمعت وجبة في الهواء: نعم على هؤلاء لعنة الله.
Page 14
أخبرنا أبو الفتح محمد بن عبد الباقي بن أحمد بن سليمان البغدادي، المعروف بابن البطي ببغداد، أخبرنا أبو الفضل أحمد بن الحسن بن خيرون قال: قرئ على أبي عبد الله أحمد بن محمد بن عبد الله بن خالد الكاتب وأنا أسمع: أخبركم أبو القاسم عبد الله بن الحسن بن سليمان النخاس، حدثني خالي محمد بن أحمد، حدثنا هارون بن موسى بن زياد إملاء، حدثني محمد بن أبي الورد، قال: سمعت يحيى الجلاء، أو علي بن الموفق قال: ناظرت قوما من الرافضة أيام المحنة، قال: فنالوني بما أكره، فصرت إلى منزلي وأنا مغموم بذلك، فقدمت لي امرأتي عشائي فقلت لها: لست آكل، فرفعته ونمت، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم داخل المسجد وفي المسجد حلقتان: حلقة فيها أحمد بن حنبل وأصحابه، والأخرى فيها ابن أبي دؤاد وأصحابه، فوقف النبي صلى الله عليه وسلم بين الحلقتين وأشار بيده فقال: {فإن يكفر بها هؤلاء} وأشار بيده إلى حلقة ابن أبي دؤاد وأصحابه، {فقد وكلنا بها قوما لسوا بها بكافرين} وأشار بيده إلى الحلقة التي فيها أحمد بن حنبل رحمه الله.
Page 15
أخبرنا أبو بكر أحمد بن أبي نعيم بن أبي علي الأصبهاني، أخبرنا الشريف أبو محمد حمزة بن العباس بن علي العلوي، حدثنا أبو بكر أحمد بن الفضل بن محمد الباطرقاني، حدثنا أبو عمر عبد الله بن محمد بن أحمد بن عبد الوهاب، أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن عمر العبدي المعروف باللنباني، حدثنا أبو العباس الصوفي، قال: كنا يوما في المسجد الجامع ننتظر السري رحمه الله، وكان في المسجد خلف وأبو بكر الناقد صاحب الحبيبي وابن أخي معروف الكرخي، فقال أبو يوسف ابن أخي معروف: كنت بين النائم واليقظان، فإذا أنا برجل قد دخل علي وعليه جبة صوف بلا كمين، فقلت: من أنت؟ قال: أنا موسى بن عمران الذي كلمني الله وما بيني وبينه ترجمان، فبينا أنا كذلك إذ هبط علينا رجل من السقف عليه حلتان، جعد الشعر، فقلت: من هذا؟ فقال لي: هذا عيسى ابن مريم عليه السلام، ثم قال لي موسى: أنا موسى بن عمران الذي كلمني الله وما بيني وبينه ترجمان، وهذا عيسى ابن مريم، ونبيكم وجميع الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين، وأحمد بن حنبل وحملة العرش، وجميع الملائكة يشهدون أن القرآن كلام الله غير مخلوق، فقال خلف: قد قلت لأبي عبد الله هذه المقالة، فقال: أشتهي أن أسمعها من فيه. قال له ابن أخي معروف: غدا أركب حمارا وأمضي إليه.
قال أبو العباس: أنا أقول: الناس من دون أحمد كلهم في ميزان أحمد، كما أن الناس دون أبي بكر في ميزان أبي بكر.
قال: وحدثنا أبو الحسن اللنباني، حدثنا أبو عثمان سعيد بن العباس الخياط، حدثني يعقوب أبو يوسف، ابن أخي معروف الكرخي، قال: بينا أنا نائم دخل علي رجل عليه جبة صوف .. فذكر نحوه.
وحدثنا اللنباني، حدثنا أبو بكر يعني: محمد بن علي بن بحر قال: سمعت أبا عبد الرحمن بن الصباح قال: رأيت في المنام كأني على شيء مرتفع وكأن بين يدي رجلين يتكلمان، إذ سمعت أحدهما يقول لصاحبه: قد أخذ صاحب ابن عمر يمتحن، قال الآخر: لا يجترئون عليه، إذ أقبل رجل من بعيد مخضوب الرأس واللحية، فقال أحدهما لصاحبه: هذا جليس ابن عمر حتى نسأله، فلما دنا الرجل إذا هو أحمد بن حنبل، قال: فالتفت يساري في الموضع المرتفع، فإذا أنا بابن عمر واقف ينفض لحيته وهو مصفر اللحية، فسمعته يقول: أبناء الأنجاس -أو أبناء الأرجاس- ما لهم ولهذا؟ أبو عبد الرحمن يشك ما لهم ولهذا؟ كلامهم في هذا لا يقوون عليه. ثم انتبهت، وقال: رأيت هذه الرؤيا قبل أن أرى أحمد بن حنبل، ثم رأيت أحمد بعد فكان كما رأيته في المنام مستويا.
Page 16
أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم الحافظ السلفي بالإسكندرية، أخبرنا أبو محمد عبد الملك بن الحسين البزوغاني، أخبرنا أبو الحسن علي بن عمر بن محمد القزويني الزاهد، أخبرنا أبو الفتح يوسف بن عمر بن مسرور القواس الزاهد، حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد الأصبهاني الفزاري الواعظ كان يقص في مسجد ابن البربهاري إملاء في مسجد ابن صاعد بعد المجلس في دار حامد سنة تسع عشرة وثلاثمائة، حدثنا أحمد بن كثير بقزوين عن عبد الله بن حبيق أو قال: سمعت عبد الله بن حبيق يقول: قدم علينا رجل من أهل العراق يقال: إنه من أفاضلهم، فقال يوما: رأيت رؤيا وقد احتجت أن تدلني على رجل حسن العبارة، قال: فقلت: قل، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم كأنه في فضاء من الأرض وعنده نفر، فقلت لبعضهم: من هذا؟ فقال: هذا محمد صلى الله عليه وسلم ، فقلت: ما يصنع ههنا؟ قال: ينتظر أمته أن يوافوه، فقلت في منامي: لأقعدن حتى أنظر ما يكون حاله في أمته، فبينا أنا كذلك اجتمع الناس، وإذا مع كل رجل منهم قناة، فظننت أنه يريد أن يبعث بعثا، قال: فنظر صلى الله عليه وسلم فرأى قناة أطول من تلك القني كلها، فقال: من صاحب القناة؟ قالوا: أحمد بن حنبل، قال: ائتوني به، قال: فجيء به والقناة في يده، فأخذها فهزها ثم ناوله إياها وقال: اذهب فأنت أمير القوم، ثم قال للناس : اتبعوه فإنه أميركم واسمعوا له وأطيعوا. قال الشيخ: فقال ابن حبيق: فقلت: هذه رؤيا لا تحتاج إلى عبارة.
Page 17
أخبرنا الحافظ أبو العز عبد المغيث بن زهير الحربي البغدادي بها، حدثنا الإمام أبو الحسين محمد بن محمد بن الفراء، قال: أنبأنا الوالد السعيد، حدثنا أبو الحسن علي بن محمد بن إبراهيم بن الحسين بن عبد الله الجبائي بدمشق سنة خمس عشرة وأربعمائة أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن إسماعيل الطرسوسي، أخبرنا أبو بكر محمد بن عيسى الطرسوسي الحنبلي، حدثني أبو الحسن علي بن السندي، حدثنا محمد بن الحسن بن معاوية، حدثنا أبو شعيب صالح بن عمران الأنصاري، حدثني يعقوب، عن محمد بن إسحاق قال: رأيت كأن القيامة قد قامت، فرأيت رب العزة، أسمع الكلام وأرى النور، فقال: ما تقول في القرآن؟ قلت: كلامك يا رب العالمين، فقال: من أخبرك؟ فقلت: أحمد بن حنبل، فقال: أحمد ثقة، فدعي بأحمد فقيل له: ما تقول في القرآن؟ قلت: كلامك يا رب العالمين، ومن أين علمت؟ فتصفح أحمد ورقتين فإذا في إحدى الورقتين: شعبة عن المغيرة، وفي الأخرى: عطاء عن ابن عباس، فدعي شعبة، فقال الله [جل وعلا]: ما تقول في القرآن؟ فقال: كلامك يا رب العالمين، فقال: ومن أين علمت؟ قال: حدثني عطاء عن ابن عباس فلم يدع عطاء ودعي ابن عباس، فقال الله تعالى: ما تقول في القرآن؟ فقال: كلامك يا رب العالمين، قال: ومن أين علمت؟ قال: أخبرنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدعي النبي صلى الله عليه وسلم فقال له الله تعالى: ما تقول في القرآن؟ قال: كلامك يا رب العالمين، قال: ومن أخبرك؟ قال: جبريل عنك. قال الله تعالى: صدقت وصدقوا.
Page 18
أخبرنا أبو المحاسن عبد الرزاق بن إسماعيل بن محمد بن عثمان القومساني بهمذان، أخبرنا شيرويه بن شهردار بن شيرويه الديلمي، أخبرنا أبو بكر أحمد بن عمر الأخباري، أخبرنا أبو منصور محمد بن عيسى الصوفي، حدثنا أبو الحسن الهمذاني بمكة، حدثني أحمد بن محمد بن عيسى ، حدثنا محمد بن الحسن، حدثني أبو بكر المروذي قال: حدثني رجل من أهل طرسوس، قال: فكرت ليلة في أحمد بن محمد بن حنبل وصبره على ضرب السوط، وكيف قوي على ذلك مع ضعفه، وبكيت، فرأيت في منامي كأن قائلا يقول: فكيف لو رأيت الملائكة في السموات وهو يضرب تباهي به الملائكة، قال: قلت: وهل علمت الملائكة بضرب أحمد؟ قال: ما بقي في السموات ملك إلا وأشرف عليه وهو يضرب.
أخبرنا أبو الحسن علي بن إبراهيم بن نجا بن غنائم الأنصاري، أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن منصور الغساني، أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي ابن ثابت الخطيب، أخبرني علي بن أحمد الرزاز، حدثنا عثمان بن أحمد الدقاق، حدثنا محمد بن أحمد بن المهدي، حدثنا أحمد بن محمد الكتاني قال: رأيت أحمد بن حنبل في المنام، فقلت: يا أبا عبد الله، ما صنع الله بك؟ قال: غفر لي ثم قال: يا أحمد، ضربت في؟ قال: قلت: نعم يا رب. قال: يا أحمد، هذا وجهي فانظر إليه، فقد أبحتك النظر إليه.
أخبرنا أبو طاهر السلفي في كتابه، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن علي بن حجيجة الفراء بدرايا، أخبرنا أبو محمد عبد العزيز بن أحمد بن محمد الكتاني الحافظ، أخبرنا عبد الوهاب بن جعفر بن علي بن جعفر بن زياد الميداني، حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن هارون البرذعي قال: قرئ على أبي العباس الطهراني أن سلمة بن شبيب قال: كنت عند أبي عبد الله أحمد بن حنبل، فإذا رجل قد جاء، فقال: من منكم أحمد بن حنبل؟ قالوا: هذا، فقال له الرجل: جئتك من بلد بعيد قد قطعت برها وبحرها، ولولا أنه قيل لي: قل له شيئا. ما جئت، إن الله قد باهى بضربك ملائكة السماء، فقال أحمد: اللهم غفرا.
Page 19
أخبرنا أبو رشيد حبيب بن إبراهيم بن عبد الله الأصبهاني في كتابه، أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد بن الحسن المقدسي، أخبرنا أحمد بن عبد الله ابن أحمد الحافظ ، أخبرني محمد بن عبد الله الرازي في كتابه، قال: سمعت أبا القاسم أحمد بن محمد السائح، حدثني أبو عبد الله محمد بن خزيمة بالإسكندرية، قال: لما مات أحمد بن حنبل اغتممت غما شديدا فبت من ليلتي فرأيته في المنام وهو يتبختر في مشيته، فقلت: يا أبا عبد الله، أي مشية هذه؟ قال: مشية الخدام في دار السلام، قال: فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي وتوجني وألبسني نعلين من ذهب، وقال لي: يا أحمد، هذا بقولك: القرآن كلامي، ثم قال: يا أحمد، ادعني بتلك الدعوات التي بلغتك عن سفيان الثوري [كنت تدعو بها في الحياة الدنيا]. قال: قلت: يا رب كل شيء بقدرتك على كل شيء، لا تسألني عن شيء، اغفر لي كل شيء، فقال لي: يا أحمد، هذه الجنة، فقم ادخل إليها. فدخلت فإذا أنا بسفيان الثوري وله جناحان أخضران يطير بهما من نخلة إلى نخلة، وهو يقول: {الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين}. قال: فقلت: ما فعل عبد الوهاب الوراق؟ قال: تركته في بحر من نور في زلالة من نور، يزور به الملك الغفور. فقلت: ما فعل بشر؟ فقال لي: بخ بخ، ومن مثل بشر؟ تركته بين يدي الجليل، وبين يديه مائدة من الطعام، والجليل جل جلاله مقبل عليه، وهو يقول: كل يا من لم يأكل، واشرب يا من لم يشرب، وانعم يا من لم ينعم.
قلت: وقد رويت هذه الدعوات عن سفيان بصفة أخرى حسنة.
Page 20
أخبرنا أبو طاهر السلفي بقراءتي عليه بالإسكندرية، أخبرنا أبو محمد عبد الملك بن الحسين البزوغاني الحربي ببغداد، أخبرنا أبو الحسن علي بن عمر ابن محمد الزاهد القزويني، أخبرنا أبو الفتح يوسف بن عمر بن مسرور القواس الزاهد، أخبرنا أبو الحسين عبد الله بن جعفر بن شاذان، إملاء من لفظه، حدثني أبو عبد الله أحمد بن الحسن بن سهل، مولى عمر بن عبد العزيز، حدثني عبد الله بن محمد البلوي الأنصاري، قال: قال لي عبد الرحمن ابن مهدي: رأيت سفيان الثوري في المنام، فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي، قلت: بالعلم؟ قال: لا، كاد العلم أن يرديني لأني ما عملت به كله، أوقفني بين يديه فقال لي عز وجل: يا سفيان، كنت تدعوني بدعاء فأعده علي، قال: كنت أقول: يا من ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، قال: كذا أنا، قلت: هب لي كل شيء، ولا تسألني عن شيء، قال: قد فعلت، انطلقوا به إلى الجنة، فقالت الملائكة الذين معي: يا سفيان، هل رأيت في الدنيا شيئا أنكرته لله عز وجل، قال: إي وعزة ربي، فقالوا لأهل الجنة: جاءكم سفيان فانثروا عليه الدر، فنثر أهل الجنة علي.
أخبرنا محمد بن عبد الباقي بن أحمد بن سلمان، وأحمد بن محمد بن أحمد، أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن الحسن بن زكريا الطريثيثي، أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري، حدثنا محمد بن أحمد بن سهل، حدثنا إبراهيم بن محمد بن يحيى المزني، حدثنا أبو نصر الليث بن محمد المروزي، حدثنا علي بن محمد المديني، حدثنا عبد الله بن سعيد المروزي، قال: سمعت أحمد بن محمد يعني المروذي صاحب أحمد بن حنبل قال: رأيت أحمد بن محمد بن حنبل في يوم وعليه حلتان خضراوان، وفي رجليه نعلان شراكهما من المرجان، وعلى رأسه تاج مكلل بأنواع الجوهر، فقلت: يا أبا عبد الله، ما الذي فعل الله بك؟ فقال: غفر لي وتوجني وكساني، وقال لي: يا أبا عبد الله، إنما أعطيتك هذا بمقالتك: القرآن غير مخلوق.
Page 21
أخبرنا الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم السلفي الأصفهاني، أخبرنا أبو محمد عبد الملك بن الحسين البزوغاني، أخبرنا أبو الحسن علي بن عمر القزويني الزاهد، أخبرنا أبو الفتح يوسف بن عمر بن مسرور القواس، حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد الأصبهاني المؤدب المعروف بابن صديق بعد مجلس الرزاز في جامع المدينة قراءة سمعته من لفظه، حدثنا محمد بن الحسين بن محمد بن إبراهيم، حدثنا عزرة بن عبد الله بن يعقوب، عن طالوت بن لقمان قال: سمعت زكريا بن يحيى يقول: رأيت أحمد بن حنبل رحمه الله في المنام وعلى رأسه تاج مرصع بالجوهر، وفي رجليه نعلان يخطر بهما، قال: فقلت: يا أبا عبد الله، ماذا فعل الله بك؟ قال: غفر لي وأدناني من نفسه، وتوجني بيده بهذا التاج، وقال: هذا بقولك: القرآن كلام الله غير مخلوق، قال: فقلت: ما هذه الخطرة التي لم أعرفها لك في دار الدنيا؟ قال: هذه مشية الخدام في دار السلام.
أخبرنا أبو طاهر السلفي في كتابه، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن علي بن حجيجة الدمشقي بداريا، حدثنا أبو محمد عبد العزيز بن أحمد بن محمد بن علي الكتاني الحافظ بدمشق، أخبرنا عبد الوهاب بن جعفر بن علي بن جعفر ابن أحمد بن زياد الميداني، حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن علي بن هارون البرذعي - سنة أربع وستين وثلاثمائة، حدثنا أبو عمرو الدقاق، قال: سمعت إبراهيم الحربي يقول: أنا أحب بني شيبان من أجل أحمد بن حنبل.
وبه: قال البرذعي: سمعت أبا الفضل بن العباس بن عبد الله القاضي الأهوازي يقول: ذكر أحمد بن حنبل عند سهل بن عبد الله، فقال سهل: كان أحمد بن حنبل سهما من سهام الله، أهلك الله به أهل الزيغ والضلالة.
Page 22
أخبرنا الشيخ الصالح أبو محمد عبد الواحد بن الحسين بن عبد الواحد البارزي البغدادي ببغداد، حدثنا أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن محمد بن طلحة النعالي، حدثنا القاضي أبو القاسم الحسن بن الحسن بن المنذر، حدثنا أحمد بن سلمان النجاد، قال: سمعت هلال بن العلاء يقول: من الله على هذه الأمة بأربعة في زمانهم: بأحمد بن حنبل ثبت في المحنة، ولولا ذلك لكفر الناس، وبالشافعي تفقه في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم . ويحيى بن معين نفى الكذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . وبأبي عبيد القاسم بن سلام، فسر الغريب من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولولا ذلك لاقتحم الناس في الخطأ.
أخبرنا أبو الحسن علي بن إبراهيم بن نجا بن غنائم الأنصاري الدمشقي، أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن منصور الغساني، أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب، أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين بن إبراهيم الخفاف، أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد الصوفي الواسطي في مجلس ابن القطيعي، قال: حدث أبو يعلى الموصلي وأنا أسمع، قال: سمعت علي بن المديني يقول: إن الله عز وجل أعز هذا الدين برجلين ليس لهما ثالث؛ أبو بكر الصديق يوم الردة، وأحمد بن حنبل يوم المحنة.
أخبرنا علي بن إبراهيم بن نجا الأنصاري، أخبرنا علي بن أحمد الغساني، أخبرنا أحمد بن علي الحافظ، قال: حدثت عن عبد العزيز بن جعفر، قال: سمعت أبا بكر الخلال يقول: حدثني الميموني، قال: سمعت علي ابن المديني يقول: ما قام أحد بأمر الإسلام بعد النبي صلى الله عليه وسلم ما قام أحمد بن حنبل، قال: قلت: يا أبا الحسن، ولا أبو بكر الصديق؟ قال: ولا أبو بكر الصديق؛ لأن أبا بكر كان له أعوان وأصحاب.
Page 23
أخبرنا علي بن إبراهيم، أخبرنا علي بن أحمد الغساني، أخبرنا أحمد بن علي، أخبرني عبد الغفار المؤدب، حدثنا عمر بن أحمد الواعظ، حدثني محمد ابن إبراهيم الحربي، حدثنا محمد بن علي بن شعيب، قال: سمعت أبي يقول: كان أحمد بن حنبل بالذي قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((كائن في أمتي ما كان في بني إسرائيل، حتى إن المنشار ليوضع على فرق رأسه ما يصرفه ذلك عن دينه)). ولولا أحمد بن حنبل قام بهذا الشأن لكان عارا علينا إلى يوم القيامة، أن قوما سبكوا فلم يخرج منهم أحد.
أخبرنا علي، أخبرنا أحمد بن علي، أخبرنا علي بن محمد بن الحسن المالكي، حدثنا عمر بن أحمد بن هارون المقرئ، أخبرنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن زياد، حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الحنين قال: سمعت إسماعيل بن خليل يقول: لو كان أحمد بن حنبل في بني إسرائيل لكان آية.
Page 24
أخبرنا أبو المحاسن عبد الرزاق بن إسماعيل بن محمد بن عثمان القومساني بهمذان، أخبرنا الحافظ أبو شجاع شيرويه بن شهردار بن شيرويه الديلمي، أخبرنا أبو العلاء محمد بن طاهر العابد، أخبرنا محمد بن الفضل، حدثنا أحمد بن إبراهيم، حدثني عمر بن إبراهيم بن يحيى، حدثنا أبو القاسم عبيد الله بن القاسم، قال: سمعت أحمد بن محمد المروذي، يقول: سمعت إسحاق بن راهويه، يقول: خرجت مع أحمد بن حنبل في آخر حجته التي حج فيها، فلما أن صرنا على عقبة المدينة فإذا نحن بشيخ يحمل في محفة، وقد سقط حاجباه على عينيه من الكبر قد شدها بعصابة، وإذا حوله مشيخة وشباب، وقائل يقول: أيكم أحمد بن حنبل؟ فأومأ الناس بأيديهم إلى أحمد، فأقبل الرجل حتى وقف بين يديه، فقال: أنت أحمد بن محمد بن حنبل؟ قال له: كذلك تزعم أمي، قال له: أتعرفني؟ قال: اللهم لا، قال: أنا من ولد عبيد الله بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، رأيت البارحة النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر في المنام، وكانوا قد عبروا على جسر بغداد، فسقط رداء رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شقه الأيمن، فأقبلت أنت يا أحمد فشلت الرداء حتى وضعته على كتف رسول الله صلى الله عليه وسلم : فالتفت إليك النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما وقالوا لك: أبشر، فإنك غدا رفيقنا في الجنة. فقال شيخ ممن حضر في ذلك مع أحمد بن حنبل: إن الرداء الذي رده أحمد على كتف رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يردها أحمد على الناس، قال: فكان أحمد إذا ذكر هذا الحديث نكت بإصبعه الأرض، ثم قال: وددت لو أن الجبل ساخ بي أو سار بي ولم أسمع من هذا الكلام. كل ذلك لئلا يتكل أحمد على شيء من القول.
أخبرنا أبو المحاسن عبد الرزاق بن إسماعيل القومساني، أخبرنا أبو شجاع شيرويه بن شهردار بن شيرويه الديلمي، أخبرنا محمد بن الحسن الواعظ، أخبرنا محمد بن عبد الله بن أحمد الجريجي بها، حدثنا محمد بن عبد الرزاق الكشميهني، أخبرنا الحسين بن عبد الواحد، حدثنا محمد بن أحمد بن محمد بن سليمان، حدثنا عبد الله بن موسى بن الحسين البغدادي، حدثنا الحسن بن إبراهيم بن عبد المجيد البغدادي، قال: سمعت أحمد بن محمد بن عبد الجبار السلمي، سمعت محمد بن سعيد الحربي، يقول: رأيت في النوم كأن القيامة قد قامت، فبينا أنا أدور في عرصاتها فرأيت منبرا منصوبا وفوقه رجل يثني على الله عز وجل أحسن الثناء، فقلت: من هذا؟ فقيل: هذا منصور بن عمار أمره الله عز وجل أن يثني عليه بين أهل الجنة كما أثنى عليه بين أهل الدنيا. ثم جزت فرأيت رجلا بين يديه مائدة، فقلت: من هذا؟ فقيل: هذا معروف الكرخي، جوعه الله في الدنيا فقد أبيح له الأكل في الآخرة. قال: فرأيت رجلا شاخصا بعينيه إلى السماء، فقلت: من هذا؟ فقيل: هذا بشر بن الحارث المروزي، مات اشتياقا إلى الله عز وجل فقد أبيح له النظر إليه. ورأيت رجلا بيده مفاتيح، فقلت: من هذا؟ فقيل: هذا أحمد بن محمد بن حنبل، الساعة بايع الله عز وجل على أن يقف على باب الجنة، فيدخل أهل السنة ويمنع أهل البدعة.
Page 25
أخبرنا عبد الرزاق بن إسماعيل، أخبرنا أبو شجاع شيرويه بن شهردار ابن شيرويه، أخبرنا أبو جعفر محمد بن الحسن يزدانيار السعدي بفورجرد، حدثني أبو بكر محمد بن سعيد التنوري، حدثنا أحمد بن إبراهيم بن أحمد، قال: سمعت أحمد بن عبدوس بن صالح يقول: سمعت إبراهيم الرماني يقول: سمعت علي بن الموفق يقول: رأيت في المنام كأن القيامة قد قامت ورأيت أني على باب الجنة، ورجل آخر يتصفح وجوه الناس فيأخذ بيد بعضهم فيدخلهم الجنة، فدنوت من رضوان خازن الجنة، وقلت له: يا رضوان، من هذا الرجل؟ فقال : هو أحمد بن حنبل، قام في عباد الله بأمر الله وبالسنة، فقد شفعه الله فيمن تابعه على الحق.
أنشدنا أبو طاهر السلفي هذه الأبيات أو غالبها، وما لم نسمعه منه إجازة لنا منه قال: أنشدنا أبو العباس محمد بن أبي المظفر الأبيوردي بهمذان لنفسه.
سقى الأوطف الساري ضريح ابن حنبل ... ورف به روض من الروض أغيد
ففيه النهى والعلم والحلم والتقى ... وتحت صفيح القبر مجد وسؤدد
أعيد به الإسلام غضا فلم يزل ... يرفع من بنيانه ويشيد
ولم يثنه عن نصرة الدين موطن ... به الدم يجريه الحسام المهند
وما الردة الأولى وقد فل غربها ... عتيق وبيض الهند في الهام تغمد
بأدهى من الأخرى التي شب نارها ... وقد كاد أنوار الشريعة تخمد
رمى أحمد الغاوي بها فرقة الهدى ... فأطفأها شيخ الأئمة أحمد
فغضبته لله أودت ببدعة ... لو انتشرت فيهم لما كان يعبد
وقوم درء الملحدين بحجة ... يقوم لها الجهمي طورا ويقعد
هو الربعي المحض ليس يغبه ... من المضريين الثناء المخلد
ذكر أول ما دعا المأمون
Page 26
أخبرنا عبد الرحمن بن علي، أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أحمد ابن علي بن ثابت، أخبرنا القاضي أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري، وأبو سعيد محمد بن موسى بن الفضل الصيرفي، قالا: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم، حدثنا يحيى بن أبي طالب، أخبرني الحسن بن شاذان، حدثني ابن عرعرة، حدثني ابن أكثم، قال: قال لنا المأمون: لولا مكان يزيد بن هارون لأظهرت أن القرآن مخلوق. فقال بعض جلسائه: يا أمير المؤمنين، ومن يزيد حتى يكون يتقى؟ فقال: ويحك! إني أخاف إن أظهرته فيرد علي فيختلف الناس، فتكون فتنة، وأنا أكره الفتنة. قال: فقال الرجل: فأنا أخبر ذلك منه؛ فقال: نعم، فخرج إلى واسط، فجاء إلى يزيد فدخل عليه المسجد وجلس إليه، فقال له: يا أبا خالد، إن أمير المؤمنين يقرئك السلام، ويقول لك: إني أريد أن أظهر أن القرآن مخلوق، قال: فقال: كذبت على أمير المؤمنين، أمير المؤمنين لا يحمل الناس على ما لا يعرفونه، فإن كنت صادقا فاقعد إلى المجلس، فإذا اجتمع الناس فقل. فلما كان الغد واجتمع الناس فقام، فقال: يا أبا خالد رضي الله عنك إن أمير المؤمنين يقرئك السلام ويقول لك: إني أردت أن أظهر أن القرآن مخلوق، فما عندك في ذلك؟ فقال: كذبت على أمير المؤمنين، أمير المؤمنين لا يحمل الناس على ما لا يعرفونه، وما لم يقل به أحد.
Page 27
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن حمد بن حامد بن مفرج بن غياث الأرتاحي بقراءتي عليه بفسطاط مصر، أخبرنا أبو الحسن علي بن الحسين بن عمر الفراء الموصلي في كتابه، أخبرنا أبو القاسم الحسن بن علي بن الحارث الأسواني، أخبرنا أبو بكر محمد بن علي بن عمران المعروف بابن الإمام، أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حامد بن محمود بن ثرثال البزار، قال: قرئ على العباس بن المغيرة الجوهري في داره ببغداد وأنا حاضر أسمع حدثنا أبو علي حنبل بن إسحاق بن حنبل، قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل، وذكر الذين حملوا إلى الرقة إلى المأمون وأجابوا، فذكرهم أبو عبد الله بعد ذلك فقال: هؤلاء لو كانوا صبروا وقاموا لله لكان الأمر قد انقطع، وحذرهم الرجل يعني المأمون ولكن لما أجابوا وهم عين البلد اجترأ على غيرهم. وكان أبو عبد الله إذا ذكرهم اغتم لذلك ويقول: هم أول من ثلم هذه الثلمة وأفسد هذا الأمر.
Page 28