أحدها: أن عدل الباري وحكمته إنما يثبت إذا ثبت أن أفعال العباد غير مخلوقة فيهم، فأما مع تجويز كونها خلقا فيهم فلا، فاستدلالكم على أنها ليست خلقا فيهم بما يفتقر إلى العدل والحكمة دور محض لا يخفى عن ذوي نظر.
الوجه الثاني: سلمنا أنه ليس بدور لزمكم أن لا يصح أن يعلم العبد أنه محدث لفعله حتى يعلم الباري وعدله وحكمته، وخلاف ذلك معلوم.
الوجه الثالث: أنا لا نسلم أنه يجب على الله خلف العادات؛ لئلا يلتبس الواجب بالجائز؛ لأن العبد إذا علم أن العادة قد تستمر في بعض العادات لم يكن له القطع بوجوب ما وجده مستمرا، بل يقف على الدليل في الحكم بوجوبه، أو جوازه.
قلت: ويمكن أن يجاب بأنا لم ندع وجوب اختلاف العاديات، وإنما ادعينا جوازه، ودليل الجواز وقوع ذلك كما تقدم، والوقوع فرع الجواز، ويمكن الجواب عن الوجه الأول بأنا لا نسلم توقف عدل الباري على كون أفعال العباد منهم، بل على أنه عالم بالقبيح ووجه قبحه مع غناه عنه وعلمه بغناه، وكيف يتوقف على كون أفعال العباد منهم وفيها ما هو حسن، ولو فعله الباري لم يخرج به عن العدل والحكمة كالإحسان، وغاية الأمر أن بعض أفعالهم من القبائح التي لا يفعلها الباري تعالى لعلمه بقبحها، وهذا لا يتوقف عدله عليه خاصة، وإنما هو بعض القبيح الذي يتوقف العدل على العلم بجملته.
والحاصل أن المانع من فعله سبحانه للقبيح هو علمه به وغناه عنه لا نفس القبيح، فتأمل.
وأما الوجه الثاني: فلم يظهر للملازمة التي ذكرها وجه مع بطلان الوجه الأول وفوق كل ذي علم عليم.
وأما الوجه الثالث: فقد تقدم أنا لا نقول بالوجوب، وقد وقفنا على الدليل فلم نحكم بجواز اختلاف العاديات إلا لوقوعه كثيرا. والله أعلم بالصواب.
Page 189