وفي الجملة: فلا يغير عادته من الماكل والمشروب أصلا؛ لكن ينقص منه قليلا، ويجتنب السرف فيه، وكذلك ينام حتى يستريح، ويقوم من الليل بالتهجد المشروع بحزب خفيف لا يشق عليه.
ومع ذلك فيشد عزمه ويجمع همته وقصده على التورع عن المحارم ومجانبة الفضول والمآثم، ويكون أغلب همه أن لا يعصي ربه في جميع نهاره وجميع ليله؛ لا بقول ولا بفعل.
فإن وفق للاقتصار على ذلك : اجتمعت همته وتوفرت قوته على القيام بما أمر؛ وشدة الانبعاث إلى ما يحب ويطلب.
وهذا الانبعاث والطلب هو السر المطلوب من الصادق، فمن الناس من تموت همته ومحبته لشدة ما يتعاطاه من الأعمال الشاقة وحسب العبد الطالب قيامه بأمر ربه وتوفر همته على طلب مراده مع حفظ قوته وصحة مزاجه وعدم انحرافه.
ثم عليه أن يترجى الأوقات الفاضلة، مثل يوم الجمعة؛ ويوم عرفة؛ والثلث الأخير من الليل، فإن فيها تتنزل الأنصبة على الطالبين، وتلوح البوارق على المحبين والمشتاقين.
أما يوم الجمعة: فهو شبيه بيوم الزيادة وأنموذج منه، إذا اجتمع الناس للصلاة : تتنزل التجليات على القلوب الصادقة الفارغة من الهموم؛ المطلقة من القيود، وكذلك يوم عرفة، وكذلك أواخر الليل.
وعليه أن يستعمل ما يحلو له من الأذكار، ويجعل عقدة أمره وذروة سنامه : تدبر كتاب ربه تعالى؛ وفهم خطاب ربه تعالى، ويعمل على أن يتعرف منه معاني صفاته بقلب طالب وقصد صادق وهم
Page 82