وعلة ذلك انه إذا قال بالتشيع اتسعت عليه الفضائل وكثرت المناقب وترد عليه عند النظر من فضائل صاحبه، وتقدمه دلائل تبهر وتلوح كالقمر الأزهر وكالنجوم المضيئة فيضيق عليه المخرج، فلا يكون عنده من الورع وحزم التوقي ولطافة النظر والعلم بالمخرج ما يمنعه من الغلو ويقعده من الإفراط والتقدم، فعندها ترفض.
وأفرط [قوم في بغضه ومقته فلعنه] وشتم وكفر (1).
وقال قوم بنبوته. وقال آخرون فيه بمثل مقالة النصارى في عيسى بن مريم.
ولا تجد أحدا قال ذلك في أبي بكر وعمر. بل قد نجد القائلين بتقديم أبي بكر وعمر قد يرجعون إلى ترك المذهب، ويميلون إلى الاعتقاد الحسن، والصواب في اعتقاد التشيع.
ولسنا نجعل إفراط من أفرط وشتم من شتم حجة في تقديم علي بن أبي طالب على أبي بكر وعمر، وإنما جعلنا ذلك تنبيها قبل النظر لتعلموا أن التمييز والمعرفة في تقديمه يحثان على الفحص والنظر، ولأن قوما دعاهم التعصب والحمق إلى ان جعلوا إفراط من أفرط فيه، وخلاف من خالفه تنقصا لأبي الحسن صلوات الله عليه، فأريناهم أن ذلك في الفضل أولى من النقص، وعلى التقديم أدل منه على التقصير كما قلنا في عيسى بن مريم.
[وبلغ التوهم إلى حد] حتى دعا قوما إلى أن زعموا أن كثرة الخلاف عليه في عسكره وما حدث من نكث الناكثين عليه يدل على أنه لم يكن له نفاذ في التدبير ولا كان معه من حسن التأليف ورجاحة السياسة ما كان مع غيره على ما زعموا.
وهذا غاية ما يكون من التعدي في القول والإفراط في ترك قلة الإنصاف وذلك بأنهم لم يوقفونا من سوء تدبيره وخطأ سياسته على أمر معروف ولا على حديث في ذلك مأثور ومشهور، و[إنما] أرادوا أن يوجهوا ذلك بالقياس قصدا منهم إلى نصرة الخطأ وميلا إلى العصبية والحما.
Page 33