Methods of Teaching Islamic Education: Models for Lesson Preparation
طرق تدريس التربية الإسلامية نماذج لإعداد دروسها
Publisher
وكالة المطبوعات
Edition Number
الثالثة ١٤٠٢هـ
Publication Year
١٩٨٢م
Genres
مقدمات
مقدمة الطبعة الثانية
...
بسم الله الرحمن الرحيم
"أ"
مقدمة الطبعة الثانية:
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. والصلاة والسلام على رسوله محمد بن عبد الله الذي اختاره من بين عباده ليحمل رسالة العلم والتعليم والإيمان للبشرية في كل عصر وعلى كل أرض، وأهله لذلك برعاية سماوية وتربية إلهية، فما نطق عن هوى، ولا تردد إلى معلم، ولا انتحل من فكر، وإنما جاءته الآيات من لدن حكيم خبير، فبلغها في أمانة لم تعرف الإنسانية لها نظيرا، وسلك بها طريقا تنحني له جباه الفلاسفة والعلماء والمفكرين عصرا بعد عصر، وتهتدي على دروبه قوافل الحياة عهدا بعد عهد، ويقف التاريخ على مشارفها عاجزا عن أن ينال منها، أو أن يلج فيها بالتغيير أو التبديل، أو المحاصرة والتقييد. وظل انطلاقها على الرغم من تهاوي القائمين عليها حقبا طويلة من الزمان، وعلى الرغم من بروز قوى من الشر عاتية حاولت ولا زالت القضاء عليها بكل أساليب المكر والدهاء. ودار الزمن دورته ليشعر الناس من جديد أن التهافت والتهاوي لم يكن في الإسلام وإنما كان في المسلمين، ولتشعر تلك القوى التي تصارعت وتضاربت وأكل بعضها بعضا وانصهرت عظام البشرية بين أنيابها في حربين عالميتين وما تبعهما من مآسي للإنسان، أن الخلاص من أوهامها وعذابها لن يكون إلا بالعودة إلى أحكام الإسلام ومبادئه التي لا مصلحة لصانعها في تغليب طبقة على طبقة ولا فرد على فرد ولا أمة على أمة،
1 / 7
لأن هؤلاء وأولئك جميعا عباد الله، وهم سواء من حيث منشئهم ومن حيث مآلهم الأخير. لقد كان فشل كل النظريات التربوية الاقتصادية والسياسية على كثرتها في بناء إنسان يتقارب مجتمعه تقاربا يقضي على نوازع الشر فيه، ويحوله إلى مصدر إسعاد له وللآخرين، بدلا من التصارع والأنانية والشراهة والأحقاد.
كان ذلك داعيا لظهور جماعات لا حصر لها في كل جوانب الأرض، رافضة لكل المباديء والقوانين بل والعادات والتقاليد التي يسير عليها الآخرون.
وكثرت الانقلابات العسكرية وشبه العسكرية في كثير من الأمم، وتبعها محاولات دائبة لتغيير المناهج والأفكار والسلوك، ولكنها فشلت واعتراها الضعف والهزال ثم تهاوت واضمحلت ليأتي من جديد غيرها ليسلك نفس الدرب وليخوض من أوهام جديدة نفس الطريق. وتتشابك القضايا وتهتز النفوس وتضطرب الجماعات، وتشتعل الحروب، ولا خلاص؛ لأن الصانع إنسان، وهو مهما أوتي لن يكون إلا واحدا من بين ملايين الآحاد، لا يمكن أن ينطبق نظامه وفكره على الجميع لصالح الجميع.
أما الإسلام ونظمه الاقتصادية والسياسية والتربوية فهي من وحي السماء، جاءت إلى الأرض جامعة وشاملة لكل جوانب الحياة فيها، لا يخرج عن دائرتها إنسان أو حيوان أو جماد، بل هي للجميع لصالح الجميع، لا فرق بين حاكم ومحكوم، غني أو فقير، قوي أو ضعيف، شريف أو وضيع، كلهم أمام التشريع الإلهي سواء.
﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ﴾ ١.
ولن تحصل البشرية على أمنها وسلامها، بل ورقيها الاجتماعي والأخلاقي والنفسي إلا بالأخذ بجوانب هذا النظام الإلهي تربويا واقتصاديا وسياسيا.
_________
١ الأنعام آية ٩٨.
1 / 8
وترك هذه الأفانين التي ابتدعها الإنسان، إما لغايته الشخصية، أو من أجل جماعة ينسب إليها، أو وطن يستظل به أو جهل بأسس التشريع الإسلامي، أو فقر في الإيمان واختلال في العقيدة، وليس فيما أنادي به خروج على العلم وأهله، وإنما هو دعوة لهم على كل أرض ومن كل جنس ليتجهوا بما وهبهم الله من عقل وفكر إلى التحليل والموازنة والمقارنة بين النظم الإلهية الإسلامية، وبين ما هم فيه من تضاد واضطراب واختلاف في الرأي الواحد والنظرية الواحدة، ولست أشك أنهم سيجدون في رحاب الإسلام حلولا لكل القضايا التي ضاقت بها النفس الإنسانية منذ طغت عليها مادية الحياة، وابتعدت خطوات كثيرة عن روحانية الإيمان.
وأول ما أدعوهم إليه، تعمق نظم التربية الإسلامية، تلك التربية التي تعنى بالإنسان "جسدا، وعقلا، وروحا" فلا تكبت رغبات الجسد فيه، ولا تحد من قدرات العقل عنده، ولا تحصره في دائرة المادة الفانية، وإنما تجعل لروحه مددا متصلا بالقوة الخفية في هذا الكون تستلهم منه النور الذي لا تراه الحواس ولا يدركه العقل
ومن ينابيع تلك التربية سوف يهتدون إلى أسس العدالة والحق الذي اهتدى إليها المسلمون الأول، وأنشئوا بها مجتمعات الإخاء والتضحية والإيثار والوفاء والمحبة، والتي أصبح العالم اليوم في حاجة إليها أكثر من حاجته إلى الغذاء والكساء والمأوى؛ لأن هذه وتلك لا توفر للإنسان الأمان والاستقرار النفسي كما توفره تربية متصلة بالله تطلق الإنسان من عقاله وتدخله دائرة السلام مع نفسه وأهله وولده وجماعته.
وإني لأتساءل هل في كل مواثيق حقوق الإنسان وقوانينه ومبادئه وتشاريعه ما يعدل هذا القول الإسلامي عن أبي ذر ﵁ عن النبي ﷺ فيما يرويه عن الله ﷿:
1 / 9
"يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا. يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم. يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم. يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم. يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني. يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا. يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا. يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر. يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيتها لكم ثم أوفيكم بها. فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه" ١ وقول الله تعالى:
﴿وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ .
وقول الرسول ﷺ: "إنما أفسد من كان قبلكم أنه إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، والله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطع محمد يدها" وثبت أن عمر بن الخطاب جلد أحد أبنائه حين شرب الخمر، لم يمنعه عن ذلك أنه ابن أمير المؤمنين ولم يشفع له حسبه ونسبه. تلك هي مبادئ الإسلام وأحكامه التي ملكت قلوب الناس فجعلتهم ينشدون العدل والحق والسلام لكل الناس وعلى كل أرض. والتي تحرص تعاليمها التربوية على أن يكون الفرد جزءا من الجماعة والجماعة شريحة من الأمة والأمة بعض من الأمم، والكل في اتساق واحد من صنع الخالق، وإليه يرجع.
_________
١ انظر رياض الصالحين للإمام النووي ص٧٣.
1 / 10
ولو استطعنا من الوجهة السيكلوجية أن نستوعب هذا النظام، وأن نجعله قاعدة لتربية الإنسان لأمكننا -كما حدث في التاريخ مرة في زمن الرسول والخلفاء الراشدين وغيرهم- أن نعيد عمليات التطبيق المتكامل لأحكام الشريعة، وأن نجعلها موضع إجلال واحترام من كل بني الإنسان؛ لأنها في حقيقتها العدالة المطلقة، لا تظلم فردا من أجل فرد، ولا تحابي إنسانا على حساب آخر، الحاكم فيها كالمحكوم، والغني فيها كالفقير والعظيم فيها كالحقير لا يفترقان إلا بالتقوى والعمل الصالح من أجل الإنسان وفي سبيل الله.
وقد حاولت جهدي أن أعرض في ثنايا هذا العمل المتواضع بعضا من جوانب التربية الإسلامية، وأن أبين كيفية إيصالها إلى الأجيال المتعاقبة بأيسر طريق، وخاصة لتلاميذ المرحلة الابتدائية، وكنت حريصا على أن أعرض بعض الأمثلة التربوية من عصر صدر الإسلام في الطبعة الأولى، ولكن ظروفا خارجة عن إرادتي لم تسعفني لتحقيق هذه الغاية، وقد تمكنت بعون الله من تحقيق ذلك في الطبعة الثانية، وإني لأرجو من الله أن يكون عملي خالصا لوجهه، وأن يقبله عنده، إنه وحده الموفق والمعين ...
دكتور
عبد الرشيد عبد العزيز سالم
1 / 11
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الطبعة الأولى:
منذ فجر الإسلام والناس يتداولون أفكاره وآراءه، بين منصف وجاحد، مؤمن وكافر، معتدل ومتشدد. مجرد عن الأهواء ومتصنع لأجلها. وسيظل هذا الأمر قائما ما بقيت الحياة والأحياء.
"ولكن الشيء الذي لم يختلف فيه الناس -أو على الأقل لم تصل حدة الخلاف فيه كغيره من تعاليم الإسلام- هو تربية الإسلام للإنسان تربية تفوق في قيمها وأهدافها كل النظريات والتعاليم التربوية التي عرفها الإنسان قبل الإسلام وبعده". وكما أن لكل حقيقة دليل عليها، فإن الدليل على هذه الحقيقة، هؤلاء النفر من صحابة رسول الله ﷺ، الذي رباهم الإسلام وعلمهم الرسول فكانوا أعظم قادة، وأعلا مثلا، وأرقى خلقا، وأنضج عقولا، وأبلغ لسانا، وأسلم حجة من كل من وضع في مثل موضعهم من قادة وزعماء الأمم. وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على أن جوهر العقيدة الإسلامية هو منبع هذا البناء الرجولي والأخلاقي والعلمي، الذي بدونها ما كانت الجزيرة
1 / 13
العربية إلا قفرا يشرب دماء الرجال، ويرعد بأصوات الحقد والعصبية، ويمتلئ بالرذيلة والدمار.
والإسلام يتميز في تربيته، أنه يأخذ الكائن البشري على طبيعته، ثم يعمد إلى تهذيب هذه الطبيعة والارتقاء بها إلى أقصى درجات السمو الإنساني، دون أن يكبت شيئا من النوازع الفطرية، أو يمزق الفرد بين الضغط الواقع عليه من هذه النوازع، وبين المثل العليا التي يرسمها له.
وهو في تعاليمه ومبادئه يقترب من الإنسان في حذر. فلا يراه ملاكا مجردا من الشهوات والرغبات. ولا شيطانا ليس فيه إلا الشهوات والرغبات.
وإنما هو بين بين. وفي مقدوره إن أراد أن يسمو بروحه إلى مستوى الملائكة من الطهر والنقاء، كما في مقدوره أيضا أن يصل إلى مستوى الشيطان من الفجور والشر ولكنه في حالته الطبيعية بين هذا وذاك -إنسان- مشتمل على الخير كما هو مشتمل على الشر. وذلك شيء من طبيعته وليس مفروضا عليه من خارج نفسه، لذلك تعمل التعاليم الإسلامية على إبراز جوانب الخير فيه، وجعلها في درجة أقوى من جوانب الشر لينتصر بذلك على ترابية الأرض، التي منها تنطلق كل ألوان الصراع البشري، وتأتي الأطماع والأحقاد والفتن، وتشب الحروب وتضرم النيران، وتموت الحقيقة، وتختفي بسمة الحياة تحت سياط الظالمين والجبابرة العتاة.
وبين الخير والشر، والاقتراب منهما في التربية الإسلامية، نجد حرصا كاملا على إيجاد التوازن في نفس الإنسان، ليمتد ذلك منه إلى التوازن في المجتمع، وفي ربوع الدنيا بعد ذلك بقدر الطاقة، حتى لا يطغى أحدهما على الآخر، أو ينفصلا، فلا يكون في الدنيا إلا ملاك أو شيطان.
1 / 14
والتربية الإسلامية لا تنشد ذلك أبدا، ولو كان التحول كله جهة "الملاك".
وإنما تسعى إلى التوفيق الدائم بين أهداف الحياة وضرورات المجتمع ونوازع الفرد، من غير أن يطغى هدف على هدف، ولا مصلحة على مصلحة، وإنما يسير الكل في توافق واتساق، يحقق -حين يتم- أقصى ما يمكن من السعادة لبني الإنسان، ويجعل الطريق بين الخالق والمخلوق ممهدا بالفكر والتصور والعمل.
وقد حرصت أن أعرض في هذا الكتاب ألوانا من السلوك والأفعال التي تحقق هذا التوازن عند الإنسان. وبدأت بالطفولة لأنها مصدر الأمم، ومنبع الأجيال وحاولت أن أقترب -فيما عرضت من المبادئ والتعاليم الإسلامية- من آثارها في الطفولة وفي تلاميذ المدارس الابتدائية بالذات. ليكون ذلك هاديا لمعلمي التربية الإسلامية في هذه المدارس.
وكان تناولي لطرق تدريس القرآن الكريم والعبادات يقوم على أساس من الدراسة النفسية والاجتماعية والأخلاقية والعلمية لهذه الفرائض ومصدرها الأول كتاب الله المحكم. وبينت أن تدريس هذه الأشياء يستند أول ما يستند إلى المعلم المؤمن بأهداف الذين ثم إلى المدرسة كمؤسسة اجتماعية تأخذ من المجتمع وتصب فيه، وضربت أمثلة على طريقة التدريس المرجوة في كل.
وعلى الرغم من أن منهج معاهد التربية لم يتطرق إلى العقيدة والحديث، إلا أنني اكتمالا للفائدة ألقيت نظرة على العقائد، وخاصة العقيدة الإسلامية، وربطت بينها وبين العبادة، مبينا أثرها في فهم العبادات من الوجهة النظرية والتطبيقية وذكرت أهداف تدريس الحديث الشريف، وسقت أمثلة على كيفية تدريسه بالمرحلة الابتدائية وتناولت طرق تدريس التهذيب وما تهدف إليه، وأسلم الطرق لتحقيق سلوك أفضل عند الأبناء.
1 / 15
وكما تحرص التربية الحديثة على استخدام الوسائل المعينة في التدريس، ذكرت أهم هذه الوسائل في تدريس الدين، وأثرها في الفهم والتطبيق، جاعلا للإسماع ووسائله درجة أكبر من الاهتمام والعناية. وفي النهاية أشرت إلى القيم والاتجاهات وأهمية تركيز المعلم عليهما.
ولا أتصور أنني قد بلغت ما أريد في كل ما قلت، ولكني أشعر بالرضا حيث إن هذا الكتاب يكاد يكون الأول من نوعه في المكتبة العربية والإسلامية؛ لأن كل من تعرضوا لبعض هذه الموضوعات، تعرضوا لها من زوايا أخرى، أو في ثنايا حديث لا يعرف بها ولا يدل عليها. ومن الله وحده أرجو الجزاء والأجر. وأن ينفع بهذا الجهد المتواضع كل طالب علم إنه سميع مجيب.
المؤلف
دكتور
عبد الرشيد عبد العزيز سالم
1 / 16
الفصل الأول: مراحل الطفولة - وتعاليم إسلامية
تطور الشعور الديني عند الطفل:
يمر الوليد بمرحلتين من مراحل حياته لهما أكبر الأثر في تكوينه الانفعالي والعقائدي والسلوكي، وعليهما تقوم شخصية هذا الوليد، وتتحدد اتجاهاته وقيمه الأخلاقية والاجتماعية، هما مرحلتا: الطفولة، والمراهقة.
ومرحلة الطفولة تنقسم إلى قسمين كما ذكر علم نفس الطفل: الطفولة المبكرة وتبدأ من المهد حتى السادسة من العمر. والطفولة المتأخرة وتبدأ من السادسة حتى فترة المراهقة "أو حتى الثانية عشر من عمره".
والذي يعنينا هنا هو مرحلة الطفولة بقسميها، حيث إنها المرحلة التي يقضي فيها الطفل جزءا كبيرا بالمدرسة الابتدائية التي هي مجال بحثنا.
فإذا ما نظرنا إلى الطفولة المبكرة، وجدنا الطفل فيها يتكون من مجموعة من الميول والرغبات والعواطف، ومزودا بقدر محدود من السلوك الفطري المتصل بالأفعال الحيوية الأساسية، كما هو مزود أيضا بقدر كبير من من قابلية التعليم والقدرة على التعليم. ولكنه يكاد يكون مجردا عن التفكير المنطقي والتعليل والموازنة. لهذا فهو متروك للبيئة بأشكالها المختلفة تستغل فيه هذه الجوانب
1 / 19
وتمكنه من اكتساب ما يعينه لا على مجرد الحياة فقط وإنما على تحسين طرائق الحياة ووسائلها والتقدم بها إلى ما هو أفضل.
وفي سنوات حياته الأولى على الرغم من قابليته للتعلم، إلا أنه ينظر إلى الأشياء بمنظاره الشخصي ويقيسها بما يتفق وعواطفه، لا بما تدل عليه من مقدمات ونتائج. وكثيرا ما يعلل المواقف والأفعال بما يتفق وإرادته، ويختار من المحيطات المتعددة والمتنوعة التي ولد فيها ما يرضي عواطفه وينطلق برغباته إلى الغاية التي تصل بين الدافع والفعل، فتمنحه الهدوء والسكينة والرضا.
ولا شك أن ما يحيط بالطفل في تنوعه العقائدي، والأخلاقي والطبيعي والاجتماعي والاقتصادي والصحي وغير ذلك له تأثير كبير في عواطفه وانفعالاته ورغباته التي أشرت إليها. ومن خلالها ينتقل تصوره للأشياء الأبعد مدى في الرؤية والفهم. فإذا ما تقدم به العمرخطوات محسوبة داخل إطار اجتماعي معين أخذ يتغير ويتشكل تبعا للمحيط الذي يدور فيه. ولكن عواطفه تظل صاحبة السيادة على ميوله ورغباته وإن كانت ترتقي بعض الشيء. فبدلا من نسبة الأمور لإرادته ورغبته، ينسبها إلى الأجمل والأكمل، أو إلى والديه وهما في نظره الأجمل والأكمل. فإذا ما سئل عن الضوء أو البحر أو الشجر قال إن وجودها هكذا أجمل، وليس لقوله هذا مقدمات رتبه عليها، وإنما هو تعبير غير مباشر يتفق مع رغباته التي تريد أن يكون كل شيء في حقيقته هو الأجمل والأفضل. وغالبا ما يكون الأب بالنسبة للطفل في هذه الفترة من العمر هو البطل والعالم والقدوة الذي لا يتطرق إليه شك، ولا يخفى عليه أمر من الأمور. فإذا ما تعددت خبرة الطفل وتلونت بألوان مختلفة تتفق وما يدور في محيطه الأسري، وتعدى هو السنة الرابعة من عمره
1 / 20
بدأت تعتريه الشكوك فيما كان يراه من أشياء، وفي قدرة الأبوين على معرفة كل شيء، وهنا يبدأ بحثه عن نفسه محاولا الاعتماد عليها، وتتكون لديه نوازع المعرفة والتحليل للأشياء ومناقشتها.
وفي هذه الفترة غالبا ما تكون الأسرة حريصة على أن تعلم الطفل لغتها، وأن تنقل إليه طرائقها في مواجهة الحياة ووسائلها في الحفاظ على البقاء، وعلى مفاهيمها عن المجتمع والدين والمثل العليا وغير ذلك من ميادين الحياة، وبذلك تضع الطفل في قوالب حيوية وفكرية واجتماعية لا يستطيع الطفل مهما حاول أن يخرج عنها؛ لأنها تصبح بالنسبة له جزءا من تكوينه يشابه بناءه العضوي والعضلي، وقد يعمل البعض على تغيير هذه القوالب أو تطويرها، ولكنه يمكث زمنا طويلا في مقاومة ما استقر في وجدانه حتى يستطيع تعديله أو تطويره. وحين ينطلق الطفل خارجا عن دائرة الأسرة ليدخل في دوائر أخرى أوسع وأشمل كالشارع والمدرسة والنادي وغير ذلك من المنظمات الاجتماعية، يجد نفسه وسط مفاهيم ومثل وعادات وتقاليد أخرى يتأثر بها وينطبع بطابعها. فإذا ما اتسعت الدائرة أكثر وانتقل إلى مدينة أخرى أو إلى وطن غير وطنه ووجه بعادات وتقاليد جديدة تأثر بها أيضا، وهكذا يظل في حركته وانطلاقه يأخذ من الحياة ومن الأحياء، حتى إننا في عصرنا الحالي عصر "التلفاز" والصور المرئية من وراء الأرض "القمر" وغيره من الكواكب التي يقوم علماء الفضاء باكتشافها ودراستها. نكاد نقول إن الطفل يتأثر بما يجري في الحياة كلها من عادات ومفاهيم ومثل؛ لأنه يشاهد ذلك أو يسمعه من خلال الأجهزة العلمية الحديثة التي أصبحت الآن منتشرة في كل مكان.
والتي ما إن يستطيع التمييز بين الأشياء والمقارنة بينها حتى يجدها أمامه بكل ما فيها من حسنات أو سيئات، لذلك فإن المجتمع الإسلامي والبيت المسلم في
1 / 21
حاجة إلى قواعد ونظم ومناهج في حياتهم الخاصة والعامة، تساعد أطفالهم على تمثل السلوك الإسلامي، وتوضح لهم من خلال التطبيق مبادئه الإنسانية العليا، ومثله في الحق والعدل والمساواة، ومبادئه في الاقتصاد والسياسة، ومفاهيمه في العقيدة والعلم والعمل، وتقدميته الدائمة التي تنشد المحبة والسعادة والتعاون والإخاء والتقارب بين كل بني البشر. يحتاج الطفل في هذه المرحلة مرحلة ما قبل المدرسة، إلى تلك الصورة الإنسانية المسلمة، حتى إذا ما انتقل إلى المدرسة ودخل في دائرة الرؤية الجديدة من العلم والعمل، كانت للمعارف ومدلولاتها جذور في أعماق نفسه تساعده على التقبل في يسر، وكان القول الإسلامي الذي سيساق إليه من القرآن والحديث والسيرة والتهذيب، ليس قولا من العدم يتراقص كلمات على صفحات الكتب. بل فعلا وتطبيقا وواقعا عاشه الطفل وشاهده بنفسه في دائرة أسرته ومجتمعه ووطنه، ومن خلال مشاهداته وما يقرع سمعه كل يوم.
وحكمة الإسلام واضحة في أنه لم يكلف الطفل في هذه المرحلة أي أمر من أمور الدين؛ وذلك لأنه في دور البناء والتكوين، وعلى عاتق الأسرة والمجتمع يقع العبء الأكبر في غرس الفضائل والمبادئ والأحكام الإسلامية في نفس هذه الطفولة البريئة، وأن يجعلوا من هذه الفطرة مصدرا حيا لاستقبال تعاليم الله إلى الأرض. ويتمثلوا قول رسول الله ﷺ: $"كل طفل يولد على الفطرة وأبواه هما اللذان يهودانه وينصرانه" أي: على فطرة الإسلام.
﴿فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾، وقد حدد الفقهاء وعي الطفل ومقدرته على التفريق بين الدابة والحصان أي: بين الجنس والنوع في الأمور التي يشاهدها في بيئته. واهتمام علم النفس بهذه المرحلة، وكذلك اهتمام الإسلام بها؛ لأنها شديدة التأثير فيما بعدها. بل وتعتمد عليها اعتمادا جوهريا. حيث من اليقين أن ثقافة الطفل، وعاداته وتقاليده، ومادته
1 / 22
اللغوية والفكرية، وتصوراته عن العقاب والثواب، والرحمة وغيرها. كلها تتكون في نفس الطفل نتيجة لخبراته وعواطفه الناشئة عن معاملة أبوية له، وكذلك بيئته الأسرية والخارجية التي سمحت له الظروف أن يتعامل معها في هذه الفترة من العمر، وكل كائن حي هو مثل الطفل في تفاعل دائم مع البيئة وبوساطة هذا التفاعل يمكننا تغيير أطفالنا تغييرا كليا أو جزئيا، إذا وضح الهدف لدينا واستطعنا نحن المعلمين أن نكون المجال الحيوي الإسلامي لهذا الطفل؛ ليكتسب منه سلوك وعادات الفرد المسلم الذي ننشده ونعمل على تعريفه به في مناهج التربية الإسلامية، أما إذا كان مجال الطفل الذي يعيش فيه في البيت والمدرسة غير ما نعلمه إياه فإن تعديل سلوكه واتجاهاته نحو المثل الإسلامية سوف يصطدم بحواجز، من الصعب أن يتخطاها معلم مهما بلغ من الذكاء والعبقرية؛ لأن كل معلم إنما يبدأ عمله التربوي مع الطفل من الثقافة الأسرية التي حصل عليها. من محبته لوالديه، إلى التفكير في من خلقهما ورزقهما. من فكرة العقوبة على فعل ارتكبه فأغضب والديه، إلى تصور العقوبة الإلهية لمن يخالف أوامره. ومن تمثل رحمة الأبوين، لإدراك رحمة الله يحمل الطفل هذه المعاني بين مدركاته في الطفولة، وإن كان لا يستطيع التعبير عنها. فإذا ما تلقاه المعلم بما يغذي هذه الجوانب فيه، وجد أساسا يدفعه للاستجابة؛ لأنه عقيدته في الأشياء عاطفية، وقد سيطرت عليه في مرحلة ما قبل التعلم عواطف الإعجاب والمحبة والخوف من الكبار، وتحويل هذه العواطف نحو الله يلقى الاستجابة والتأثر؛ لأن فكرة الخالق عند الطفل تفوق في جانبها العاطفي كل ما عرفه من أنواع العظمة والتقدير والمحبة والخوف. لذلك فإن غرس التعاليم الإسلامية في نفوس الأطفال ودعوتهم إلى العمل بها عملية يشترك فيها البيت والمدرسة بقدر متساو من الهمة والإخلاص.
وحين يصل الطفل إلى المرحلة الثانية من طفولته "السادسة من عمره"
1 / 23
وهي مرحلة قبوله بالتعليم الابتدائي، نرى أن هذا الطفل في حاجة إلى من يعينه على أن يحيا حياة إنسانية كريمة بمعناها المادي والروحي، الفردي والاجتماعي القومي والإنساني؛ لأنه خرج من دائرة البيت إلى عالم آخر يختلف في تكوينه ومدركاته عما ألفه من فترة طفولته الأولى، ومعاونته على التكيف معه، إذا بدأت من منطلق إسلامي استطعنا أن نعمل على تكييف الإنسانية، وتطورها من خلال هذا الفرد الإنساني، إن الإسلام دين الإنسانية، ومبادؤه وأحكامه إنسانية، والتكيف معها يخلق مجتمعات مهما تباعدت إنسانية المنهج والسلوك، والطفل في هذه المرحلة يقوم إدراكه على الملموسات ويعتريه الشك فيما لا يراه لذلك يجب على المعلم أن يكون متفهما لمكونات نفس الطفل، وأن يتدرج معه في الأمور الدينية من الملموس إلى الغيبي، وأن يحاول الوصول إلى إقناعه بما يعرضه عليه متخذا لذلك الوسائل التي تربط بين عواطفه السابقة والأفكار الجديدة التي تعرض عليه؛ لأن النفس الإنسانية كل لا تتجزأ والتربية عملية شاملة تتناول الإنسان جسده ونفسه، عقله وعاطفته، سلوكه وشخصيته، مواقفه ومفاهيمه، مثله وطريقة حياته وطرائق تفكيره.
والدين يشمل كل هذه الجوانب فإذا ربطناها بالطفل وربطناه بها استطعنا أن نجعل مفهوم الدين لديه ليس عملا تقليديا عن الأباء والأجداد، وليس عملا غيبيا يتوهمه الإنسان ولا يجد أثره أو يعيش فيه. وهذه أول واجبات معلم التربية الإسلامية منذ اللحظة الأولى التي يلتقي فيها مع تلاميذه لأول مرة. وبهذه الطريقة سنجد أن عقيدة الطفل الدينية تزداد قوة وتطورا نحو المعقولية كما هي طبيعة هذه المرحلة من حياته. ويجب على المعلم أيضا أن يعرف أن الطريقة التي يتعلم بها الطفل قيمه تترسب في ذاته، وتؤثر تأثيرا عميقا في تقبله لهذه القيم أو رفضها. فطريقة المعلم وأسلوبه ورفقه بالأطفال وقربه منهم في دروس الدين خاصة، قد يدفع بنمو الذات لديهم إلى مستويات
1 / 24
أعلى في الأداء الديني فهما وسلوكان وقد يؤدي بالعكس إلى الجحود والتمرد على هذه القيم فهما وسلوكا أيضا، لذلك اهتمت معاهد التربية بدراسات علم النفس وأصول التربية لطلابها حتى يتمكنوا من فهم مراحل نمو الطفل وعواطفه وانفعالاته، ليتجنبوا مثل هذا الموقف الذي يعطي مردودا معاكسا لما تهدف إليه التربية، والشعور الديني عند الطفل يتطور بتطور خبرته ومفاهيمه عن الحياة والأحياء فإذا كان الطفل قبل السابعة لا يجد التعليل المنطقي لعملية "الموت" فإنه في هذه السن يدرك أن الموت شيء يقع على الرغم من الإنسان وعلى الرغم من كل ما حوله من أهل وأطباء ومال وصحبة، ومن هذا الإدراك يلتقط الدليل الذي ينقض الأساس الذي كان يبني عليه تصوراته للأمور بالعاطفة والرغبة. ويبدأ في معرفة أنه ليس مطلق الذات والرغبات، وأن هناك قوى خفية تفوق سلطانه وقدرة من يعرف من البشر. وعلى المربي أن يتدرج مع الطفل في بيان فكرة الموت وما يسبقه من مقدمات المرض والضعف وكبر السن، وأن يسوق له الأمثلة التي توضح ذلك من تكوين الثمار ثم نضجها وفي النهاية قطفها أو سقوطها. ويبين حكمة الله من ذلك في تداول الحياة والأحياء، كما يجب عليه أن يساعده في فهم الظواهر الكونية ودور القدرة الإلهية فيها خلقا وتنظيما وتصريفا، كالسحاب المسخر بين السماء والأرض وسقوط المطر منه، وسير الرياح، وتناوب فصول السنة وحركة النجوم والأفلاك وأثرها في الأرض، ونحن نعلم أن الطفل يتلقى بعض المعلومات عن هذه الظواهر ويتدرج فيها بتدرج عمره وسنوات دراسته. فإذا بين له معلم الدين أن هذه الظواهر ترجع إلى إرادة حكيمة مديرة تصرفها كيف تشاء، ساعده بذلك على تفهم جوانب من القدرة الإلهية، وأعانه على الربط بين التقارير العلمية والأحكام الدينية؛ لأن الطفل إذا تعلم أن الشمس هي التي تبخر الماء، والرياح هي التي تسوق البخار، ونزول درجة الحرارة
1 / 25
هو الذي يكثف ذرات الماء فتهطل مطرا تصور سيطرة الطبيعة على نفسها، فإذا ما استطاع المعلم أن يبين له أن الشمس وحدها لا تعمل وأن الماء أصلا له خالق، وأن حركة الرياح لها سلطان يصرفها، ومن هذا كله يأتي المطر بأمر وحكمة، قضى على الازدواجية بين العلم والدين وأرجع كل شيء إلى أصله ومصدره. ومن هنا كانت مهمة معلم الدين مهمة صعبة. وقدرته العلمية والدينية يجب أن تكون فوق مستوى ما نراه ونعرفه من معلمي هذا العصر الذي نحن فيه. وإذا كنا نريد نجاح التربية الإسلامية فعلا في مدارسنا ومجتمعاتنا، فعلينا أن نشمل معلمها برعاية خاصة وعناية فائقة في إعداده إعدادا إكاديميا يقوم على البحث والتقصي في كل جوانب الدين، فكرا وعقيدة وفلسفة ومنهجا وتطبيقا، واذا أراد هو أن يؤدي رسالته بصورة ترضي الله والناس فعليه أن يكون قادرا على إقناع تلاميذه في مثل هذه المواقف، وأن يتبع معهم وسائل القرآن في الإقناع. فيبدأ بالملموس ويتدرج منه إلى المتصور ليصل في النهاية إلى المعقول. ولا يترك تلاميذه عند نقطة عقائدية إلا بعد أن يقنعهم بهذه الطريقة حتى لا تكون مسائل العقيدة في نظرهم مجرد طلاسم لا فكر فيها ولا حل لها ...
الطفل وعملية الميلاد والخلق: كل طفل ما إن يصل إلى مرحلة الإدراك حتى يبدأ في التساؤل. من أين ولدت؟ وفي أي مكان كنت؟ وكيف سرت وتكلمت وغير ذلك من الأسئلة التي يبدأها طفل في الثانية من عمره وتظل معه حتى السابعة أو الثامنة تقريبا، وكل ما يسمعه من إجابات عنها لا تقنعه، وإن كان يظهر رضاه عنها في وقتها؛ لأنه لا يملك تعليلا غير ذلك، وبعض الأطفال في سن الخامسة
الطفل وعملية الميلاد والخلق: كل طفل ما إن يصل إلى مرحلة الإدراك حتى يبدأ في التساؤل. من أين ولدت؟ وفي أي مكان كنت؟ وكيف سرت وتكلمت وغير ذلك من الأسئلة التي يبدأها طفل في الثانية من عمره وتظل معه حتى السابعة أو الثامنة تقريبا، وكل ما يسمعه من إجابات عنها لا تقنعه، وإن كان يظهر رضاه عنها في وقتها؛ لأنه لا يملك تعليلا غير ذلك، وبعض الأطفال في سن الخامسة
1 / 26
يعتقد أن الله أوجده في بطن أمه من مجموع الغذاء الذي تتناوله، وبعضهم يتصور أنه وجد هكذا كما هو بشكله وحجمه. وأن أمه ولدت أباه كما ولدته فإذا ما وصل إلى السابعة من عمره راح يفكر إلى ما هو أبعد من ذاته وذات أبيه، فيسأل عن الإنسان الأول كيف ولد وكيف وهو فرد واحد امتلأت الدنيا هكذا؟ وهنا يبدأ تلمس الطريق نحو معرفة الخالق والبحث عنه. لذلك كانت المرحلة الابتدائية هامة في تكوين العقيدة على أسس صحيحة. وفي الإجابة على كل التساؤلات التي أرقت هذا الطفل منذ أدرك حتى جاء إلى المدرسة فإذا كان معلم التربية الإسلامية على درجة من العلم والكفاءة استطاع أن يجيب على كل هذه التساؤلات، وإن يربطها بالجوانب الفكرية والمنطقية في العقيدة الإسلامية. التي توضح أن الكون كله خلق من فيض الله. وأن ذات الله تعالى هي التي أوجدت هذا الكون كما يشهد على ذلك كل شيء في الوجود. بدءا من الحشرة الصغيرة إلى الجبل الكبير. إلى السماء والأفلاك والهواء والفضاء. كل شيء بمقدار. وكل حركة بحساب ولا يكون ذلك إلا من صنع خالق حكيم قادر. وكل هذه الدلائل تقودنا إلى التسليم لهذا الخالق، تسليما فرضته علينا قوى الطبيعة القاهرة وقبله العقل والمنطق؛ لأنه يتفق مع الحقائق التي نشاهدها وتمر بنا أحداثها في كل يوم.
وإذا كانت العملية التعليمية تعنى أول ما تعنى بخلق الملكات، والعمل على اتساعها وتنميتها، فإن الطفل معرض بناء على ذلك، إلى تصعيد أفكاره وتساؤلاته. لنراه في وقت من الأوقات يطلب لكل معلول علة، ويحاول تطبيق ذلك بالنسبة للذات الإلهية، والإجابة عن هذه الأشياء بالنسبة للأطفال يعد أمرا حيويا يتصل بالتوافق بين الدين والحياة، وبين الأوامر الإلهية والفكر الإنساني الذي يطرق على التلميذ بابه في كل لحظة، ولكي تكون الإجابة
1 / 27
سليمة ومقنعة يجب أن تنال الطفل من ناحيتيه النفسية والعقلية، وفي الناحية النفسية سنجد الأمر سهلا، إذ بيان عجز الطفل عن خلق حشرة أو زرع عضو أو إعادة الحياة لميت، وربط ذلك بأمثلة تبين عجز من هم أعظم منه وأكبر، كوالديه ورؤساء الدول وقادة الجيوش والعلماء والحكماء. عجزهم عن رد الموت عنهم، أو مقاومة المرض، ومنع العواصف والزلازل وغير ذلك مما هو مدار عجز الإنسان، كل هذا سوف يريح الطفل نفسيا. وهنا ننقله إلى الجانب العقلي الذي به يتضح له الكمال الإلهي في قدرته وعظمته وحكمته. تلك القدرة والعظمة والحكمة التي تقتضي ألا يكون هناك رب سواه. والتي تدعونا إلى التفكر في مخلوقاته الهائلة حتى لا نناقض أنفسنا ونتساءل عمن أوجد الله. إذ لو احتاج الله إلى من يوجده لكان ضعيفا مثلنا، ولكان هذا الكون فاسدا على غير نظام، يعتريه المرض ويحكمه الضعف، وتتداخل أشكاله وألوانه، فلا يكون على ما هو عليه من تناسق بديعة ومعجز.
وبسكون النفس واطمئنان العقل يتبين الطفل أن مثل هذا التساؤل مناف للإيمان بالله ﷿ وبكماله وقدرته التي نلمسها في كل شيء. ومعلم التربية الإسلامية يستطيع أن يلمس هذا الجانب في كل درس من دروس الدين. وأن يجيب عن هذه الأسئلة قبل أن تصبح مركز ثقل عن نفسية التلميذ ومدركاته. وكلما كان المعلم دقيقا وواضحا، كان تقبل التلاميذ لهذه النتائج سهلا وميسورا. ولا أكون مغاليا إذا قلت أن رسوخ العقيدة أو اضطرابها إنما يتكون في هذه الفترة من المرحلة الابتدائية. وأن دور المعلم فيها أكبر من دور الأسرة والمجتمع وأنه بسلوكه ومنطقه واعتداله يظل يلاحق تلاميذه حتى بعد فترة المراهقة. وليس معنى هذا، إلغاء دور الأسرة والمجتمع. وإنما هو بيان لمراكز التأثير في ترتيبها وأولويتها.
فالمدرسة ومعلم التربية الإسلامية أولا.
1 / 28
ثم يأتي دور الأسرة مساعدا وموضحا.
وتكتمل الحلقة بالمجتمع وما فيه من مؤثرات وعبر.
الطفولة والخير والشر: يظل الطفل -في مرحلة الطفولة الأولى- يتصور أن الخير هو ما حقق له رغباته وأن الشر هو ما يقاومها أو يقف في طريقها. حتى إذا ما انتقل إلى مرحلة الطفولة المتأخرة -أي: دخل في السابعة من عمره- بدأ يسأل عن الحسن والقبيح ويتعرف من خلال تجاربه على لون كل منهما. فهذا حسن لأنه يرضي والديه وأخوته وأصدقائه، وهذا قبيح لأنه يغضبهم. ويظل هذا الانطباع لديه، حتى يتعرف على مسائل الدين والخلق، فينتقل بفكره إلى إدراك أن الخير هو ما يتفق وأوامر الله، وأن الشر ما يخالف ذلك. حتى إذا ما وصل إلى التاسعة من عمره، وتقدم به التعليم بعض الشيء، واتسعت خبرته بالواقع، وتعقدت صلاته الاجتماعية، ارتقى حسه ونمى إدراكه وفكره فأصبح يرى الخير في أمور كثيرة لا يفعلها الناس، والشر في أمور أكثر يرتكبها الناس. وبذلك يحس بدافعية تسوقه إلى الله، وإلى حبه والاهتمام بتعاليمه؛ لأنه سبحانه هو وحده الذي يمكن أن يحقق له العدل والإنصاف. ويقاوم الظلم، ويدفع الشر عنه. وفي هذه الفترة تبدو أهمية معلم التربية الإسلامية، إذ يستطيع أن يستغل هذا التطور الطبيعي في الطفل، فيعمل على تقوية عقيدته بالله، تلك العقيدة التي سيرى فيها الطفل خير عون له على تقبل ما يتعرض له من آلام الواقع وصراعات الحياة. والتي سوف تمسح عنه الكثير من صنوف الحرمان والوهم والخوف، وتعمل على تقوية شخصيته واستعدادها للتضحية والفداء ومعاونة الآخرين.
الطفولة والخير والشر: يظل الطفل -في مرحلة الطفولة الأولى- يتصور أن الخير هو ما حقق له رغباته وأن الشر هو ما يقاومها أو يقف في طريقها. حتى إذا ما انتقل إلى مرحلة الطفولة المتأخرة -أي: دخل في السابعة من عمره- بدأ يسأل عن الحسن والقبيح ويتعرف من خلال تجاربه على لون كل منهما. فهذا حسن لأنه يرضي والديه وأخوته وأصدقائه، وهذا قبيح لأنه يغضبهم. ويظل هذا الانطباع لديه، حتى يتعرف على مسائل الدين والخلق، فينتقل بفكره إلى إدراك أن الخير هو ما يتفق وأوامر الله، وأن الشر ما يخالف ذلك. حتى إذا ما وصل إلى التاسعة من عمره، وتقدم به التعليم بعض الشيء، واتسعت خبرته بالواقع، وتعقدت صلاته الاجتماعية، ارتقى حسه ونمى إدراكه وفكره فأصبح يرى الخير في أمور كثيرة لا يفعلها الناس، والشر في أمور أكثر يرتكبها الناس. وبذلك يحس بدافعية تسوقه إلى الله، وإلى حبه والاهتمام بتعاليمه؛ لأنه سبحانه هو وحده الذي يمكن أن يحقق له العدل والإنصاف. ويقاوم الظلم، ويدفع الشر عنه. وفي هذه الفترة تبدو أهمية معلم التربية الإسلامية، إذ يستطيع أن يستغل هذا التطور الطبيعي في الطفل، فيعمل على تقوية عقيدته بالله، تلك العقيدة التي سيرى فيها الطفل خير عون له على تقبل ما يتعرض له من آلام الواقع وصراعات الحياة. والتي سوف تمسح عنه الكثير من صنوف الحرمان والوهم والخوف، وتعمل على تقوية شخصيته واستعدادها للتضحية والفداء ومعاونة الآخرين.
1 / 29