وكانت لهم جميعًا خاصة واحدة هي: أنهم لا يفعلون شيئًا. لقد كانوا سواء في الوسط المدرسي، يختلطون برفاق السوء من شارع (ايشيل Echelle)، وحينما كان الأستاذ (بوبريتي Bobreiter) يدخل إليهم ليلقي دروسه في تلك الفرقة التي اختارتها الصدفة لتمثل العدم، لم يكن يجد أمامه من يستحق اسم (طالب) غير (عبد الحميد نسيب).
وفيما يتعلق بالمدينة كنت أذهب نادرًا إلى خالتي (بهية). فقد تابعت المأساة القسنطينية فصولها. فلم يعد التحدث عن العيسوية إلا قليلًا. وحينما يتاح لي المرور أمام الزاوية المغلقة كان شيء ما يعصر قلبي.
ففي الطور الذي يحدث فيه التغيير يصبح فيه الإنسان متناقضًا. فهو من جهة يهدم الماضي بيديه ومن جهة أخرى يستشعر في ذاته ضغط ذلك الماضي وأتره. ولست أدري إنما كان ذلك صحيحًا أم لا، إنما على كل حال كان هذا هو الوضع بالنسبة لي.
في مقهى بن يمينة شعرت في الواقع بالانقسام الايديولوجي، الذي أوجد انطلاقًا من باب المدرسة أو من باب المقهى، حدودًا أخلاقية فاصلة بين أولئك الذين كانوا يعملون في البحث عن طريق أفضل، وأولئك الذين لا يزالون مدمنين على قراءة (ألف ليلة وليلة).
ولكن في شوارع قسنطينة بدأت أستشعر ذلك الانقسام الاقتصادي الذي بدأ تأثيره منذ نهاية الحرب العالمية الأولى. فالنظام الاجتماعي القديم بدأ يتفسخ بوضوح؛ وفي ساحة سوق العصر بين أكوام الملابس الرخيصة الثمن تكونت طبقة بورجوازية جيدة.
أما البورجوارية القديمة فكانت تعرض آخر ما تبقى لديها، من مجوهرات وحلي للبيع كما واجهتها مصاريف طارئة لمرض أو حادث غير مرتقب.