180

Taʾammulāt

تأملات

Editor

(إشراف ندوة مالك بن نبي)

Publisher

دار الفكر

Edition

الأولى

Publication Year

١٩٧٩م.

Publisher Location

دمشق سورية

Genres

هنا نلمس جانبًا من الضعف المنطقي لا نكاد نختلف فيه، لأنه واضح تمام الوضوح، وهو يتصل بقضية نفسية وخلقية. ولكن هناك جانبًا آخر يتعلق بسلوك المجتمع نفسه وموقفه، أمام الشيء المستورد باعتباره منتوجا حضاريًا بصفة مطلقة، فلا بأس طبعا أن نستورد من الأشياء ما نسد به حاجاتنا الأساسية مؤقتًا، ولا بأس أن نستورد الطب والطبيب والمطبعة والأستاذ ومعلوماته، والصيدلي وأدواته والمهندس وآلاته، مادمنا نحن لا ننتج هذا كله. وإنما على شرط ألا تكوّن عندنا بعض العادات الفكرية، فتقلب ضمنا دون أن نشعر منطق الاجتماع، أن تكون عندنا بعض العقد النفسية فتربط اتجاهاتنا ودوافعنا بالشيء والشيئية.
فإننا إذا صغنا جملة مثل هذه: " إن المنتوج لا يكوّن المنتج بل المنتج هو الذي يكوِّن المنتوج "- فلن نختلف في مضمونها لأننا صغناها صياغة عامة واضحة، لا يختلف فيها اثنان، وسوف نتفق لا شك على أن هذه القاعدة المنطقية صحيحة دومًا، وعليه فلنتخذها مقياسًا عامًا في الموضوع.
إننا حين حللنا الصورة الشمسية التي استخدمناها خلال حدينا، وجدنا في النهضة العربية بين سنوات (١٨٦٨ - ١٩٠٥) (عالم أشياء) جديدًا، لم يعرفه آباؤنا في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر مثلًا، ووجدنا الأشياء في اليابان نفسه استوردها كما استوردناها نحن من الحضارة الغربية، ولكن كشف لنا التاريخ أن تلك الأشياء لم تؤد في نهضتنا الدور الذي أدته في نهضة اليابان.
فنستنتج من هذا أن الأشياء لا تؤدي مفعولها الاجتماعي تلقائيًا، ولا تؤثر وحدها في صياغة العملية الاجتماعية، وإنما تؤثر بقدر ما يضاف إلى مفعولها من دوافع نفسية وتوجيهات فكرية معينة، فالشعب الياباني كان يريد بالأشياء التي استوردها خلال العهد الميجي، وسائل يواجه بها بناء حضارة: والبناء لا يتم بالأشياء مهما كانت صلاحيتها وثمنها، وإنما يتم بالدوافع التي تحرك تلك الأشياء،

1 / 195